للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اجْتِهَادَهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَا يَصِيرُ الْمَحَلُّ مُجْتَهَدًا فِيهِ. قَالَ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لِأَنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ ضَمَّ التَّابِعِينَ، وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الْخَصَّافُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ. وَقَدْ حُكِيَ فِي هَذَا الْخِلَافِ عِنْدَنَا، فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُفْسَخُ.

وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُرْفَعُ: يَعْنِي اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِنَّ، فَعَنْ عَلِيٍّ الْجَوَازُ وَعُمَرُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِهِ، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُبْطِلُهُ الثَّانِي.

وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يُرْفَعْ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْقُضُهُ الثَّانِي، وَلَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ: إنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ، فَقَدْ عَلِمْت مَا هُنَا مِنْ تَشَعُّبِ الِاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَةِ.

وَبِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ وَالشَّافِعِيُّ بِرَأْيِهِ: يَعْنِي إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ قَوْلُ مَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ وَافَقَ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ الْمُخْتَلِفِينَ فَلَا يُنْقَضُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوْلُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَلْ الْخِلَافُ مُقْتَضَبٌ فِيهَا بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ.

وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ مُجْتَهِدُونَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَرِفْعَةٍ، وَلَقَدْ نَرَى فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ جَعْلَ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً، بِخِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ حَتَّى يَنْفُذَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْخِلَافُ إلَّا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَبَ إذَا خَلَعَ الصَّغِيرَةَ عَلَى صَدَاقِهَا وَرَآهُ خَيْرًا لَهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْعِشْرَةَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَصِحُّ وَيَزُولُ الصَّدَاقُ عَنْ مِلْكِهَا وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْهُ، فَإِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ. وَفِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَّقَهَا فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ لَمْ تَرَ دَمًا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا قَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَنْبَغِي أَنْ يُنَفِّذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَجِبُ حِفْظُهَا لِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ اشْتِبَاهُ الدَّلِيلِ لَا حَقِيقَةُ الْخِلَافِ. قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِإِبْطَالِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ إذْ اعْتِبَارُ الطَّلَاقِ بِسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ يَنْفِي حُكْمَهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ يُنَفِّذُهُ، وَلَيْسَ طَرِيقُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ كَوْنَهُ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، إذْ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ مُطْلَقًا وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمُدَايَنَةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ قَاطِعٌ فِي إبْطَالِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ نَفَذَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَمَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يَشْتَرِطَانِ الْإِعْلَانَ لَا الشُّهُودَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ خِلَافُهُمَا لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ، إذْ اعْتِبَارُ النِّكَاحِ بِسَائِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>