قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀) وَكَذَا إذَا قَضَى بِإِحْلَالٍ، وَهَذَا
ذَلِكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى. وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ.
وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ. فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ. هَذَا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ: وَجْهُ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْمُشَاوَرَةِ وَقَدْ تَقَعُ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ. وَجْهُ الْمَنْعِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ الْآيَةَ. وَاتِّبَاعُهُ غَيْرَ رَأْيِهِ اتِّبَاعُ هَوَى غَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ إجْمَاعًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مُقْتَضَى ظَنِّهِ وَعَمَلِهِ هُنَا لَيْسَ إلَّا قَضَاؤُهُ، بِخِلَافِ الْمُرْسَلِ إلَى مَنْ يَرَى خِلَافَ رَأْيِهِ لِيَحْكُمَ هُوَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ بِشَيْءٍ. هَذَا وَمِنْ تَتِمَّةِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ حُكِيَ عَنْ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفُسِخَتْ الْيَمِينُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْرَى هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ؟ ذُكِرَ فِيهِ خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَاجُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا. وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَاجُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْتَاجُ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ أَيْضًا. وَحِيلَةُ أَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عِنْدَ تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ الْوَاقِعَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدِ فَسْخِهَا فِي حَقِّ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَسَنَذْكُرُ فِي أَمْرِ الْفَتْوَى فِيهَا كَلَامًا آخَرَ فِي بَابِ التَّحْكِيمِ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ) أَيْ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ قَضَى بِهِمْ كَذَبَةً وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ (وَكَذَا إذَا قَضَى بِإِحْلَالٍ) يَكُونُ حَلَالًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ (وَهَذَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَشْرُوطٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute