لِأَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً، وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ وَالْكِتَابَةِ لِيَحْفَظَهُ (وَإِنْ أَقْرَضَ الْوَصِيُّ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ، وَالْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِخْرَاجِ.
لِأَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ السَّارِقُ وَالْغَاصِبُ الْمُكَابِرُ، وَفِي الْقَرْضِ بَقَاؤُهَا مَحْفُوظَةً عَنْ ذَلِكَ مَضْمُونَةً (وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ) فَكَانَ النَّظَرُ فِي الْإِقْرَاضِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ، إذْ رُبَّمَا لَا يُوَافِقُهُ الشُّهُودُ أَوْ لَا يَجِدُهُمْ، وَلَوْ وَجَدَهُمْ فَلَيْسَ كُلُّ بَيِّنَةٍ تَعْدِلُ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَفِي الْجُثُوِّ بَيْنَ يَدِي الْقُضَاةِ ذُلٌّ وَصَغَارٌ فَكَانَ إضْرَارًا بِالصِّغَارِ عَلَى الِاعْتِبَارِ (وَالْأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ.
وَوَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّهُ أَعَمُّ وِلَايَةً مِنْ الْوَصِيِّ لِأَنَّهَا فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ كَوِلَايَةِ الْقَاضِي، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ الْمَانِعُ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْرِضُ مِمَّنْ يَأْمَنُ جُحُودَهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَوْ أَخَذَهُ الْأَبُ قَرْضًا لِنَفْسِهِ يَجُوزُ وَإِنْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي جَوَازِ الْقَرْضِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ لِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَلَا لِزِيَادَةِ الْوِلَايَةِ بَلْ لِتَمَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِرْجَاعِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ وَلَا قُدْرَةَ لِلْأَبِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ الشُّهُودَ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ قَضَى بِعِلْمِهِ وَاسْتَخْرَجَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قُدْرَةَ هَذَا إنَّمَا تُفِيدُ مَعَ وُجُودِ الْمُلَاءَةِ.
أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ الْمُسْتَقْرِضُ صَارَ الْقَاضِي كَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْخَصَّافُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ الْمَالَ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ حَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ مِنْهُمْ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُعْسِرَ فَلَا يَقْدِرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مُعْسِرًا فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إقْرَاضُهُ، وَقَدْ انْتَظَمَ مَا ذَكَرْنَا حُكْمَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ وَلْنُفَصِّلْهَا فَعِنْدَنَا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ بِالْجَوَازِ كَقَوْلِنَا لِأَنَّهُ ﷺ «قَالَ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَهَذَا قَضَاءٌ بِعِلْمِهِ، وَشَرْطُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَعْلَمَ فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ قَاضِيهِ بِحَقٍّ غَيْرِ حَدٍّ خَالِصٍ لِلَّهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَطْلِيقِ رَجُلٍ امْرَأَتَهُ أَوْ قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ.
وَأَمَّا إذَا عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ ثُمَّ وُلِّيَ فَرُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ أَوْ عَلِمَهَا فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ فَرُفِعَتْ إلَيْهِ لَا يَقْضِي عِنْدَهُ، وَقَالَ: يُقْضَى. وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ عَلِمَ فِي رُسْتَاقِ مِصْرِهِ عِنْدَهُمَا يَقْضِي.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ مُقَلِّدًا لِلرُّسْتَاقِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْقَرْيَةِ وَالْمَفَازَةِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute