قَالَ (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْحَقِّ)
الطَّلَاقَ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا أَوْ بَيِّنَةٍ أُخْرَى فَالْمُدَّعِي الْعِتْقَ وَقَصْرَ الْيَدِ وَالطَّلَاقَ وَقَصْرَ الْيَدِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ قَدْ يَتَحَقَّقُ وَلَا يُوجِبُ انْعِزَالَ الْوَكِيلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ وَكَالَةٌ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِلِانْعِزَالِ بِأَنْ وُجِدَ بَعْدَ الْوَكَالَةِ، فَلَيْسَ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ حُكْمًا أَصْلِيًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ فِيهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْحَاضِرِ فِي قَصْرِ يَدِهِ وَانْعِزَالِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ تَحَقُّقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا مِنْ ضَرُورَةِ تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ فَلَا يُقْضَى بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ دَعْوَى شَيْئَيْنِ، إلَّا أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ لَيْسَ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ فَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ: إحْدَاهَا قَالُوا فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ كَانَ زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهَذَا الْعَيْبِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَالنِّكَاحُ عَلَى الْغَائِبِ. وَالنِّكَاحُ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْغَائِبِ لَيْسَ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَقَاءِ بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لِلْحَالِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ. وَالثَّانِيَةُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ الِاسْتِرْدَادَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا تُقْبَلُ لِإِبْطَالِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ لَيْسَ سَبَبًا لِبُطْلَانِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فَيَعُودُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَفْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْبَقَاءِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا. الثَّالِثَةُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ دَارٌ بِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ فَأَرَادَ ذُو الْيَدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرَاةَ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَهُ: الدَّارُ الَّتِي بِيَدِك لَيْسَتْ لَك وَإِنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ فَأَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْضَى بِالشِّرَاءِ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ، وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ مِنْ شِرَاءِ الدَّارِ لَيْسَ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَقَاءُ، لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَزَالَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَا يَكُونُ لَهُ شُفْعَةٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ؛ وَلَوْ أَقَامَ عَلَى الْبَقَاءِ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَا يَكُونُ شَرْطًا فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِر خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِيمَا يَدَّعِيهِ. وَصُورَتُهُ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْضَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ.
وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ والأوزجندي فِيهِ بِانْتِصَابِ الْحَاضِرِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَيُقْضَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَرْهَنَتْ عَلَى دُخُولِ فُلَانٍ حَيْثُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ غَائِبًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لَهُ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَمَا تَضَمَّنَ إبْطَالًا عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ.
(قَوْلُهُ وَيُقْرِضُ الْقَاضِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْحَقِّ) وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالصَّكِّ وَالْحَقُّ هُنَا هُوَ الْإِقْرَاضُ، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute