عَنْ الْغَائِبِ وَقَدْ عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ
عَنْ الْغَائِبِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ عَرَفَ تَمَامَهُ فِي الْجَامِعِ). مِثَالُ السَّبَبِ الْمَلْزُومِ لَا مَحَالَةَ فِي سِتِّ مَسَائِلَ: ثَلَاثٌ فِيمَا يَكُونُ الْمَقْضِيُّ شَيْئَيْنِ، وَثَلَاثٌ فِيمَا يَكُونُ وَاحِدًا.
أَمَّا ثَلَاثُ الْوَاحِدِ: إحْدَاهَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لَا مَحَالَةَ لِمِلْكِهِ. وَالثَّانِيَةُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الذَّوْبَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْكَفِيلِ وَالْغَائِبِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ.
الثَّالِثَةُ ادَّعَى شُفْعَةً فِي دَارٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ فَقَالَ ذُو الْيَدِ الدَّارُ دَارِي مَا اشْتَرَيْتهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَنَا شَفِيعُهَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ. وَمِثَالُ ثَلَاثِ الشَّيْئَيْنِ: إحْدَاهَا قَذَفَ مُحْصَنًا فَادَّعَى عَلَيْهِ الْحَدَّ فَقَالَ الْقَاذِفُ أَنَا عَبْدٌ وَعَلَيَّ حَدُّ الْعَبِيدِ وَقَالَ الْمُدَّعِي الْمَقْذُوفُ بَلْ أَعْتَقَك مَوْلَاك فَعَلَيْك حَدُّ الْأَحْرَارِ وَالْمَوْلَى غَائِبٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ فَالْعِتْقُ سَبَبٌ لِكَمَالِ الْحَدِّ وَهُوَ الْمُدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ فَهُمَا شَيْئَانِ.
الثَّانِيَةُ شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمَا عَبْدَانِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُمَا أَعْتَقَهُمَا قَبْلَ هَذَا وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْمَوْلَى الْغَائِبِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ.
الثَّالِثَةُ: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ وَانْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُنْتَقَضٌ بِمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ غَائِبٍ وَحَاضِرٍ فَادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى الْحَاضِرِ مِنْهُمَا أَنَّ الْغَائِبَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَادَّعَى قَصْرَ يَدِ الْحَاضِرِ عَنْ نَفْسِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاضِرِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ أَصْلًا مَعَ أَنَّ إعْتَاقَ الْغَائِبِ نَصِيبَهُ سَبَبٌ لِقَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ عِنْدَهُ هُنَا لَا لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْ الْغَائِبِ بَلْ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُعْتَقِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ، وَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ يَصِيرُ مُكَاتَبًا مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ فَكَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ مَجْهُولًا فَلَمْ يُقْبَلْ.
وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَدَّعِي بِهِ عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ، فَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا شَيْئَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا، وَبَيَانُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا قَالَ لِعَبْدِ رَجُلٍ مَوْلَاك وَكَّلَنِي بِحَمْلِك إلَيْهِ فَأَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ وَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةِ غَائِبٍ وَكَّلَنِي زَوْجُك بِحَمْلِك إلَيْهِ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقْضِي بِقَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهَا دُونَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute