وَهَذَا فِي غَيْرِ صُورَةٍ فِي الْكُتُبِ، أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا لِحَقِّهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي جَعْلِهِ خَصْمًا
اُحْضُرْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَإِلَّا يُحْكَمُ عَلَيْك، أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَا.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ. رَجُلٌ غَابَ وَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ وَالْغَائِبُ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى غُرَمَائِهِ بِالْكُوفَةِ وَبِالْخُصُومَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ وَكَالَتَهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ قَضَى عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ: يَعْنِي عَلَى الْغَائِبِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسَخَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ غَرِيمُ الْغَائِبِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ مُسَخَّرٌ.
وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ فِي نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا: لَا يَنْفُذُ، وَفِي مَفْقُودِ خُوَاهَرْ زَادَهُ، لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لِلْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ كَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ، إلَّا أَنَّ مَعَ هَذَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا وَأَنْفَذَ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى.
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ، لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ كَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَنَحْوِهِ، وَحَيْثُ قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَيْهِ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فَالْقَاضِي لَا يَأْمُرُ ذَا الْيَدِ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُدَّعِي حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالشِّرَاءِ بِإِقْرَارِهِ، وَهِيَ عَجِيبَةٌ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ. قَالَ: وَأَحَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى بَابِ الْيَمِينِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَلَمْ أَجِدْهَا ثَمَّةَ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَا إذَا كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ، لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ (وَهُوَ فِي غَيْرِ صُورَةٍ فِي الْكُتُبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ) مَا يَدَّعِيهِ الْغَائِبُ (شَرْطًا لِحَقِّهِ) لَا سَبَبًا لَا مَحَالَةَ، أَوْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا وَقَدْ لَا يَكُونُ (فَإِنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي جَعْلِ الْحَاضِرِ خَصْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute