للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَلَوْ حَكَمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ رَدَّهُ الْقَاضِي وَيَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرَأْيِهِ وَمُخَالِفٌ لِلنَّصِّ أَيْضًا إلَّا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ

أَحَدِهِمَا وَهُوَ الَّذِي تَحْكِيمُهُ لَيْسَ الْأَقْوَى يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّحْكِيمِ فِيهِ بَلْ حَتَّى يَرْضَى الْآخَرُ، وَالْآخَرُ لَا يَمْلِكُ مَا حَكَمَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيهِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمُضَافِ يَنْفُذُ لَكِنْ لَا يُفْتِي بِهِ. وَفِيهَا: رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَادِثَةِ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَسِعَهُ اتِّبَاعُ فَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُ الْمَرْأَةِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا. وَرُوِيَ عَنْهُمْ مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اسْتَفْتَى أَوَّلًا فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَسِعَهُ إمْسَاكُ الْمَرْأَةِ فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَكَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَاهُ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ الْأُخْرَى وَيُمْسِكُ الْأُولَى عَمَلًا بِفَتْوَاهُمَا.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَبَعَثَ الْقَاضِي إلَى شَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ النِّكَاحِ وَبِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ حَكَّمَا بِذَلِكَ حَكَمًا يَجُوزُ، وَلَا يُفْتَى بِهِ لِمَا مَرَّ: يَعْنِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ خَشْيَةِ تَجَاسُرِ الْعَوَامّ: يَعْنِي عَلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ. قَالَ: وَكَذَا مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ لَهَا نَفَقَةً فَبَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ بِفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَجْزِ النَّفَقَةِ يَجُوزُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا لَمْ يُحَكِّمُوهُ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ) فَإِنَّ الْقَاضِيَ (يَرُدُّهُ وَيَقْضِي) بِمَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ كَوْنُهُ (عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرَأْيِهِ وَلِلنَّصِّ) وَهُوَ حَدِيثُ حَمْلِ بْنِ مَالِكٍ (إلَّا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ) وَهُوَ قَتْلُ الْخَطَإِ (بِإِقْرَارِهِ) فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِالدِّيَةِ حِينَئِذٍ عَلَى الْقَاتِلِ، لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْقَتْلَ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ كَمَا لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَالصُّلْحَ عَلَى الدِّيَةِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّهِمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَاقْتَصَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أُرُوشُ الْجِرَاحَاتِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ، بَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي بِأَنْ كَانَتْ دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ أَوْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ بَلَغَ خَمْسَمِائَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>