وَهُمَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ وَلَوْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْقِضَاءِ الْوِلَايَةِ كَقَوْلِ الْمُوَلَّى بَعْدَ الْعَزْلِ.
(وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ بَاطِلٌ وَالْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَؤُلَاءِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَقَضَى الْحَكَمُ عَلَى الْجَانِي جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِهَا أَصْلًا لِأَنَّهُ إنْ قَضَى عَلَى الْجَانِي خَالَفَ الشَّرْعَ، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ) يَعْنِي الْمُحَكَّمُ لَوْ قَالَ: لِأَحَدِهِمَا أَقْرَرْت عِنْدِي أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْك بِهَذَا فَعَدَلُوا عِنْدِي وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت بِهَذَا فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَمَضَى الْقَضَاءُ عَلَيْهِ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ بَاقِيًا لِأَنَّ الْحَكَمَ مَا دَامَ تَحْكِيمُهُمَا قَائِمًا كَالْقَاضِي الْمُقَلِّدِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقَلِّدُ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، فَكَذَا الْحَكَمُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْمُخَاطَبُ عَنْ الْحُكْمِ وَيَعْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَكَمْت عَلَيْك ثُمَّ قَالَ الْمُحَكَّمُ ذَلِكَ أَوْ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بِالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ يَنْعَزِلُ كَمَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ فَصَارَ كَالْقَاضِي، إذَا قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ قَضَيْت بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ كَذَا هَذَا.
(قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ) سَوَاءٌ كَانَ قَاضِيًا أَوْ مُحَكَّمًا (لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ (بَاطِلٌ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ) بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ يَجُوزُ لِانْتِفَائِهَا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ) وَإِنَّمَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِرَأْيِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ لَا يُصَدَّقُ الْحَكَمَانِ فِي إخْبَارِهِمَا عَنْ الْحُكْمِ إذَا قَامَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْعِزَالِهِمَا فَالْتَحَقَا بِسَائِرِ الرَّعَايَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى فِعْلٍ بَاشَرَاهُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَكَمَيْنِ شَاهِدَانِ ثُمَّ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَابَا فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا لَهُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مَا حَمَلَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا. وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا وَحُرًّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ حَكَّمَ مُسْلِمٌ وَمُرْتَدٌّ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَتَلَ الْمُرْتَدَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ جَازَ وَيَصِيرُ كَالْقَاضِي، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ يَتَرَاضَى بِهِ الرَّجُلَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بَعْدَهُ بَيْنَهُمَا فَأَجَازَاهُ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute