قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارِ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ) وَسَنَذْكُرُهَا فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،
لَكِنْ يَقَعُ إذَا كَانُوا عَلَى السَّطْحِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ. قَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ: وَعَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنْ لَا يُمْنَعَ صَاحِبُ السَّاحَةِ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ صَاحِبُ الْعُلْوِ كَوَّةً يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ لَيْسَ لِلْجَارِ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الصُّعُودِ وَإِنْ كَانَ بَصَرُهُ يَقَعُ فِي دَارِ جَارِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حَقَّ مَنْعِ صَاحِبِ الْبِنَاءِ عَنْ فَتْحِ الْكَوَّةِ فِي عُلْوِهِ مَعَ أَنَّ بَصَرَهُ يَقَعُ فِي السَّاحَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ يَأْخُذُ جَارُهُ بِبِنَاءِ السُّتْرَةِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي بِنَائِهَا لَا أَنْ يَسْتَقِلَّ هُوَ بِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَسَمَاهَا وَقَالَ أَحَدُهُمَا نَبْنِي حَاجِزًا بَيْنَنَا لَيْسَ عَلَى الْآخَرِ إجَابَتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُؤْذِي الْآخَرَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِبِنَائِهِ يَتَخَارَجَانِ نَفَقَتَهُ بِقَدْرِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لِلْمَصْلَحَةِ. وَنَظِيرُهَا فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: رَجُلٌ فِي دَارِهِ شَجَرَةُ فِرْصَادٍ، فَإِذَا ارْتَقَاهَا يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْجَارِ يَمْنَعُهُ الْقَاضِي مِنْهُ إذَا رَآهُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ فَتْحِ الْكَوَّةِ لَيْسَ لِلْجَارِ وِلَايَةُ الْمُرَافَعَةِ وَلَا لِلْقَاضِي الْمَنْعُ انْتَهَى.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ حَيْثُ قَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرْتَقِيَ يُخْبِرُهُمْ وَقْتَ الِارْتِقَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يَسْتُرُوا أَنْفُسَهُمْ لِأَنَّ هَذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَنُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّعْوَى مِقْدَارًا مُعَيَّنًا كَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَنُقِلَ عَنْ وَالِدِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً، لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا يَصِحُّ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ إذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى. قَالَ: وَهَذَا يُشْكَلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ دَفَعَتْهُ إلَيْهِ صَحَّ مَعَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ الصُّلْحَ يَتَحَقَّقُ لِدَفْعِ الشَّغَبِ وَالْخِصَامِ صَحَّتْ الدَّعْوَى أَوْ لَمْ تَصِحَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي وَهُوَ الْمَانِعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute