«الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ»
وَغَيْرِهِمَا: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَقِيلَ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: يَجِبُ عَلَى الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، وَإِذَا فَاتَتْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِلْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ، يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا تَتَبُّعُهَا. وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: لَا، وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ. اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ جَمَاعَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَإِذَا كَانَ مَسْجِدَانِ يَخْتَارُ أَقْدَمَهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَقْرَبُ، وَإِنْ صَلَّى فِي الْأَقْرَبِ وَسَمِعَ إقَامَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ وَإِلَّا فَيَذْهَبُ إلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تَفْرِيعٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَقْرَبِ مُطْلَقًا لَا عَلَى مَنْ فَضَّلَ الْجَامِعَ، فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَفَقِّهًا فَمَجْلِسُ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ أَوْ مَجْلِسُ الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، فَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَرَضُ، وَكَوْنُهُ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ مَفْلُوجًا أَوْ مُسْتَخْفِيًا مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ كَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ أَلَمٌ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ. فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى، وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ: الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ: يَعْنِي قَوْلَهُ ﷺ «إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» وَمَا عَنْ «ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ. مَعْنَاهُ: لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا، لَا الْإِيجَابَ عَلَى الْأَعْمَى «فَإِنَّهُ ﷺ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي تَرْكِهَا». وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ ﷺ «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَصْلًا بِدَلِيلِ مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْهُ ﷺ «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَةً فَيَجْمَعُوا لِي حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ» فَقِيلَ لِيَزِيدَ هُوَ ابْنُ الْأَصَمِّ: الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ قَالَ: صُمَّتْ أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute