(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَقْرَؤُهُمْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْقِرَاءَةُ مُفْتَقَرٌ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا قَالُوا لِيَزِيدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. قِيلَ هُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةٌ فِي الْجُمُعَةِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ ﷺ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذُكِرَ يَصْلُحُ وَجْهًا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَهُوَ دَلِيلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا فِي الْغَايَةِ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْقَائِلَيْنِ بِالسُّنِّيَّةِ إذْ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ»، وَهَذَا لِأَنَّ سُنَنَ الْهُدَى أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ لُغَةً كَصَلَاةِ الْعِيدِ. وَقَوْلُهُ لَضَلَلْتُمْ يُعْطِي الْوُجُوبَ ظَاهِرًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْهُ: لَكَفَرْتُمْ.
وَلَعَلَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهُ بِالْمَعْنَى، إلَّا أَنَّهُ رَفَعَ قَوْلَهُ «لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ»، فَأَفَادَ أَنَّهُ وَعِيدٌ مِنْهُ ﷺ: يَعْنِي أَنَّ وَصْفَ النِّفَاقِ يَتَسَبَّبُ عَنْ التَّخَلُّفِ، لَا إخْبَارٌ أَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَخَلَّفُ كَسَلًا مَعَ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَقِينِ التَّوْحِيدِ وَعَدَمِ النِّفَاقِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ إذْ ذَاكَ عَدَمُ التَّخَلُّفِ إلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ ﷺ قَالَ «الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ يُنَادِي إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ ﷺ «بِحَسْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ» وَالتَّثْوِيبُ هُنَا الْإِقَامَةُ، سَمَّاهَا بِهِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَوْدٌ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِالْأَذَانِ. أَمَّا التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ ﷺ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ تَعْلِيقَ الْوُجُوبِ بِسَمَاعِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُسْنِهِ، وَيَتَوَقَّفُ الْوَعِيدُ فِي حَدِيثِ التَّحْرِيقِ عَلَى كَوْنِهِ لِتَرْكِ الْحُضُورِ دَائِمًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ» وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ فِي مِثْلِهِ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ: أَيْ عَادَتُهُمْ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ لِلْحُضُورِ أَحْيَانًا، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تُقَرِّبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ مُثْبِتُو السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ سُوقِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute