للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ) لِقَوْلِهِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ»

سَبْعًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الصِّحَّةِ وَالْفَضِيلَةِ بِلَا جَمَاعَةٍ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ صِحَّةِ مَا فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ فِي الْجُمْلَةِ بِلَا جَمَاعَةٍ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ، فَالْمَعْنَى صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا بِلَا جَمَاعَةٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا لِجَوَازِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ تَرْكُهَا مُؤْثِمًا لَا مُفْسِدًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إيجَابُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي جَمْعٍ كَإِيجَابِ فِعْلِهَا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَغْصُوبَةٍ وَزَمَانٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَقُلْ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَعَدَمُ الْوَاجِبِ لَا يُنَافِيهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللُّزُومَ مُلَاحَظٌ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْ الشَّارِعِ، وَبِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّنَا، فَمُلَاحَظَتُهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي إنْ كَانَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ عَنْ الشَّارِعِ قَطْعِيًّا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ الْفَرْضَ وَنَافَى تَرْكَ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا كَانَ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُنَافِهَا لَا لِاسْمِ الْوُجُوبِ بَلْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عَنْهُ لَيْسَ قَطْعِيًّا، فَإِنَّا لَوْ قَطَعْنَا بِهِ عَنْهُ نَافَى، وَلِذَا لَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ: أَعْنِي الْوَاجِبَ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ مُشَافَهَةً مَعَ قَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْمَسْمُوعِ فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ إلَّا الْفَرْضُ الَّذِي عَدَمُهُ مُنَافٍ لِلصِّحَّةِ أَوْ غَيْرِ اللَّازِمِ مِنْ السُّنَّةِ فَمَا بَعْدَهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مُلَاحَظَتَهُ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ لَيْسَ فِيهِ وُجُوبٌ بَلْ الْفَرْضِيَّةُ أَوْ عَدَمُ اللُّزُومِ أَصْلًا، وَالْكَلَامُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرِيدًا مَعْنَى ظَاهِرِهِ أَوَّلًا، فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ إلَّا الِافْتِرَاضَ أَوْ عَدَمَ اللُّزُومِ، فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُنَافِي عَدَمُهُ الصِّحَّةَ فَتَأَمَّلْ، وَقَدْ كَمَّلَ إلَى هُنَا أَدِلَّةَ الْمَذَاهِبِ سِوَى مَذْهَبِ الْكِفَايَةِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الْمَقْصُودُ مِنْ الِافْتِرَاضِ إظْهَارُ الشِّعَارِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا كَانَتْ تُقَامُ عَلَى عَهْدِهِ فِي مَسْجِدِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ مَا قَالَ وَهَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِثْلُهُ عَنْهُ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَنَائِزِ مَعَ إقَامَتِهَا بِغَيْرِهِمْ

(قَوْلُهُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ») الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ إسْلَامًا سِنًّا، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ عَوَّضَ «فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» «فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا» وَهِيَ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الِاخْتِيَارِ: مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَمِنْهُمْ كَالْمُصَنَّفِ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>