للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَقْرَؤُهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ

اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْأَعْلَمَ أَوْلَى بَعْدَ كَوْنِهِ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَسْنُونَةَ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ دَلِيلًا لِلْمُخْتَارِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَقْرَأَ كَانَ أَعْلَمَ لِتَلَقِّيهِمْ الْقُرْآنَ بِأَحْكَامِهِ وَنَظَّرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ صَحَّ فَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَصَارَ الْحَاصِلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ: أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَلَى مَا ادَّعَى، وَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَوَّلًا يَقْتَضِي فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَبَحِّرٌ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مُتَبَحِّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ وَمِنْهَا أَحْكَامُ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقَدُّمَةَ لِلثَّانِي لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ عَكْسُهُ بَعْدَ إحْسَانِ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَالْقِرَاءَةَ لِرُكْنٍ وَاحِدٍ. وَثَانِيًا يَكُونُ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْ الْحَالِ بَيْنَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ عَنْ الْأَقْرَئِيَّةِ بَعْدَ إحْسَانِ الْمَسْنُونِ، وَمَنْ انْفَرَدَ بِالْأَقْرَئِيَّةِ عَنْ الْعِلْمِ لَا كَمَا ظَنَّ الْمُصَنِّفُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَعْلَمُ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، بَلْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَقْرَئِيَّةُ وَالْأَعْلَمِيَّةُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْأَقْرَإِ الْأَعْلَمَ فَقَطْ: أَيْ لَيْسَ بِأَقْرَأَ فَيَكُونُ مَجَازًا خِلَافَ الظَّاهِرِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَأَ غَيْرَ أَنَّ الْأَقْرَأَ يَكُونُ أَعْلَمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ إذْ ذَاكَ فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ بِالْأَقْرَئِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَالِ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ أَرَادَ الْأَقْرَأَ لَكِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِهِ أَعْلَمَ فَيُفِيدُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ مُعَلَّلًا بِأَعْلَمِيَّةِ أَحْكَامِ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَعْلَمِيَّةُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْكِتَابِ بَلْ مِنْ السُّنَّةِ أَرَأَيْت مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا عَلَى كَثْرَةِ شُعَبِهِ وَمَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ أَمْ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ تَتَضَمَّنُ الْأَقْرَئِيَّةُ التَّعْلِيلَ بِالْأَعْلَمِيَّةِ بِالسُّنَّةِ، أَلَّا يَرَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَبِي يُوسُفَ، وَاسْتَدَلُّوا لِمُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَسَكَتَ عَنْهُ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَالْحَقُّ أَنَّ عِبَارَتَهُمْ فِيهِ لَا تَفْحُشُ، وَلَكِنْ لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ. وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ حَدِيثُ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ. دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» وَدَلِيلُ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَيَكُونُ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُجْتَبَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>