(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ) لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ لِقَوْلِهِ ﵊ لِابْنَيْ أَبِي مُلَكْيَةَ «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ.
فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ (قَوْلُهُ فَأَوْرَعُهُمْ) الْوَرَعُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ. وَالتَّقْوَى: اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْهُ ﷺ «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ» فَإِنْ صَحَّ وَإِلَّا فَالضَّعِيفُ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ مَحَلُّهُ مَا بَعْدَ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ الصَّحِيحِ بَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِأَقْدَمِيَّةِ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ انْتَسَخَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ فَوَضَعُوا مَكَانَهَا الْهِجْرَةَ عَنْ الْخَطَايَا، وَفِي حَدِيثِ «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ» إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا هَاجَرَ فَاَلَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا قَبْلَهَا، وَكَذَا إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْفَضَائِلِ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْدَمُ وَرَعًا قُدِّمَ، وَحَدِيثُ «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَانِ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا. وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حُسْنَ الْوَجْهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ «مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ، وَالْحَدِيثُ فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الزَّاهِدِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَتَبْته عَنْ ثَابِتٍ فَذَكَرْته لِابْنِ نُمَيْرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي ثَابِتًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَالْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ مُوسَى عَلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَالْمُسْتَمْلِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَشَرِيكٌ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَتْنَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى ثَابِتِ بْنِ مُوسَى قَالَ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَإِنَّمَا أَرَادَ ثَابِتًا لِزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ فَظَنَّ ثَابِتٌ أَنَّهُ مَتْنُ ذَلِكَ السَّنَدِ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِذَلِكَ السَّنَدِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ شَرِيكٍ عَقِبَ ذِكْرِ مَتْنِ ذَلِكَ السَّنَدِ وَهُوَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ» الْحَدِيثَ الثَّابِتَ. فَأَدْرَجَهُ ثَابِتٌ وَجَمِيعُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بُطْلَانِهِ، ثُمَّ إنْ اسْتَوَوْا فِي الْحُسْنِ فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي هَذِهِ كُلِّهَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ قِيلَ هُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْمُقِيمُ أَوْلَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ يَؤُمُّ أَهْلَ مَحَلَّةٍ غَيْرِ مَحَلَّتِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ إلَى تِلْكَ الْمَحَلَّةِ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ، فَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَهُ كُرِهَ كَمَا يُكْرَهُ السَّفَرُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَتَنَحْنَحُ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute