قَالَ (وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ ﵀ لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ.
أَيْ فِي يَدِ الْحَاضِرِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَنْفُذُ بِقَدْرِهِ لِأَنَّهُ لَا خُصُومَةَ بِدُونِ الْيَدِ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
قَالَ فِي شَهَادَاتِ الْمَوَارِيثِ: وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَثَلَاثَةَ بَنِينَ وَابْنَانِ غَائِبَانِ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَادَّعَى رَجُلٌ الدَّارَ عَلَى الْحَاضِرِ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَقَالَ مَاتَ وَالِدُنَا وَأَخَوَايَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ قَبَضَا نَصِيبَهُمَا وَأَوْدَعَانِي وَغَابَا وَقَالَ الْمُدَّعِي كَانَتْ دَارِي فِي يَدِ أَبِيكُمْ وَأَعْلَمُ أَنَّ الْغَائِبَيْنِ قَبَضَا ثُلُثَيْهَا شَائِعًا وَأَوْدَعَاهَا عِنْدَك وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارِي تُقْبَلُ وَذُو الْيَدِ خَصْمٌ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبَانِ وَصَدَقَا فِي الْإِرْثِ وَجَحَدَا حَقَّ الْمُدَّعِي فَالْقَضَاءُ مَاضٍ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَقَالَا لَمْ نَرِثْهَا مِنْ أَبِينَا بَلْ ثُلُثَاهَا لَنَا لَا بِالْإِرْثِ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي أَعِدْ بَيِّنَتَك عَلَيْهِمَا فِي ثُلُثَيْ الدَّارِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ لِأَنَّ إقْرَارَ الْحَاضِرِ يَعْمَلُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الْغَائِبَيْنِ.
قَالَ الْعَتَّابِيُّ: قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مَقْسُومَةً، أَمَّا إذَا اقْتَسَمُوهَا وَأَوْدَعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا الْحَاضِرَ وَغَابَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي فِي نَصِيبِهِمَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْتَحَقَ هَذَا بِسَائِرِ أَمْوَالِهِمَا فَلَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا فِيهَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا عُرِفَ.
وَلَوْ كَانَ ثُلُثَا الدَّارِ فِي يَدِ رَجُلٍ مَقْسُومٍ أَوْ غَيْرِ مَقْسُومٍ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ الْغَائِبَانِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ لَهُمَا مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيهِمَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ الِابْنُ الْحَاضِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ لَا فِيمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ.
قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِي عَيْنٍ هُوَ فِي يَدِهِ لَا فِي عَيْنٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ، حَتَّى إنَّ مَنْ ادَّعَى عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ وَأَحْضَرَ وَارِثًا لَيْسَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْعَيْنُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ) فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالسَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَيُمْسِكُ قُوتَهُ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ، وَإِذَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا عِنْدَهُ نِصَابًا أَوْ لَا، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ دُونَ قَدْرِهِ، وَلِذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنًا لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ إلَى أَنْ يُوَفَّى (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ مَالٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ) فِيهِمَا (وَبِهِ قَالَ زُفَرُ) وَالْبَتِّيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ «لِقَوْلِهِ ﷺ لِأَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً: يُجْزِئُك الثُّلُثُ» (لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَالْوَصِيَّةِ) وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute