للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْصَرِفُ إيجَابُهُ إلَى مَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَالِ.

أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَأُخْتُ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ كَهِيَ فَلَا يَخْتَصُّ مَالٌ دُونَ مَالٍ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الْتِزَامُ الصَّدَقَةِ مِنْ فَاضِلِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ تَقَعُ فِي حَالِ الِاسْتِغْنَاءِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ، إذْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِي الْعُشْرِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ

- «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ فِيهِ الصَّدَقَةَ) وَمَا أَوْجَبَ بِهِ التَّصَدُّقَ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعُمُومِ وَعَلَّقَ الْإِيجَابَ بِبَعْضِهِ.

قَالَ تَعَالَى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ وَلَمْ يَعُمَّ كُلَّ مَالٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ إنَّمَا يَصْدُقُ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلِّ مَالٍ، وَذَكَرْنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ بِالْأَخْذِ مِنْ جِنْسِ الْأَمْوَالِ يَصْدُقُ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا ذَاكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ إذْ مُنِعَ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ فَوَجَبَ تَقْيِيدُهَا بِبَعْضِهَا، ثُمَّ عَيَّنَا ذَلِكَ الْبَعْضَ بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهَا بِإِيجَابِ التَّصَدُّقِ مِنْهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ إخْرَاجَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ طَاعَةٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ تَقَيَّدَ بِجَمِيعِ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِلُزُومِ الْمَعْصِيَةِ.

وَحَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ نَذَرَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ وَقَصَدَهُ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَجَرَيْنَا فِيهَا عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا فَقُلْنَا: لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ ارْتِكَابَ الْمَعْصِيَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الثُّلُثِ الْمَفْسُوخِ لَهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْوَرَثَةِ.

وَأَمَّا نَفَاذُهُ فِي الْكُلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُوجِبُ ذَلِكَ فِي حَالِ اسْتِغْنَائِهِ بِالْمَوْتِ فَانْتَفَى الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّهْيَ مَا كَانَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إلَّا لِقِيَامِ حَاجَتِهِ النَّاجِزَةِ فِي الْحَيَاةِ وَعَدَمِ الْبُدَاءَةِ بِنَفْسِهِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِهِ «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» فَيُؤَدِّي إلَى ضِيقِ نَفْسِهِ وَحَرَجِهَا وَهُوَ قَدْ يَكُونُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الصَّدَقَةَ إلَخْ) يَصْلُحُ تَقْرِيرًا لِإِبْدَاءِ الْمُخَصِّصِ يَعْنِي أَنَّ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لَكِنَّ هُنَا مَعْنًى يُخَصِّصُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>