فَصْلٌ
(وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ أَوْ بِالْقَطْعِ فَاقْطَعْهُ أَوْ بِالضَّرْبِ فَاضْرِبْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ وَالْخَطَأَ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ. وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِفَسَادِ حَالِ أَكْثَرِ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُقْبَلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ، وَلِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ، وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَةٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ ﵀: إنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْخَطَإِ وَالْخِيَانَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يُسْتَفْسَرُ، فَإِنْ أَحْسَنَ التَّفْسِيرَ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ عَالِمًا فَاسِقًا لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ لِتُهْمَةِ الْخَطَإِ وَالْخِيَانَةِ.
لَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي بِانْفِرَادِهِ هَلْ يُقْبَلُ مُوَلًّى وَمَعْزُولًا أَخَّرَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ أَوْ بِالْقَطْعِ فَاقْطَعْهُ أَوْ بِالضَّرْبِ فَاضْرِبْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَ) بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ هَذَا (وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ لَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ) الَّتِي عَنْهَا حَكَمَ فِيهِ بِذَلِكَ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَضْرَتِهِ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ عَلَى هَذَا فَقَالُوا: أَوْ يَشْهَدُ مَعَ الْقَاضِي شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَشْهَدُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْقَاضِي وَالْعَدْلُ عَلَى شَهَادَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِسَبَبِ الْحَدِّ لَا عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي، وَإِلَّا كَانَ الْقَاضِي شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ هُنَا مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ إلَّا الْمَأْمُورُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ: أَعْنِي أَنْ يَشْهَدَ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ بِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَيُؤَدِّي الْآخَرُ عِنْدَهُ، وَلِذَا اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى مُعَايَنَةِ حُضُورِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ وَهَذَا (لِأَنَّ الْغَلَطَ وَالْخَطَأَ فِي الْحُكْمِ مُحْتَمَلٌ) لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِيهِ عَلَى خَبَرِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِمُفْرَدِهِ (وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِفَسَادِ حَالِ أَكْثَرِ الْقُضَاةِ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الِاعْتِمَادِ مُعَلَّلًا بِالْفَسَادِ وَالْغَلَطِ اقْتَضَى الْحَالُ التَّفْصِيلَ فِي التَّوَقُّفِ لَا إطْلَاقَهُ (فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ) فِي الدِّينِ بِالْعَدَالَةِ وَالْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ (وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا اُسْتُفْسِرَ، فَإِنْ أَحْسَنَ) فِي بَيَانِ سَبَبِ حُكْمِهِ وَشُرُوطِهِ (وَجَبَ تَصْدِيقُهُ) لِلْعَدَالَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فَاسِقًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، فَإِنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ مِنْ الرُّكُونِ لِإِخْبَارِهِ بِالِاسْتِفْسَارِ، وَحُكْمُهُ بِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَلَا بِتَفْسِيرِهِ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ) فِي الْحَالِ (فَيُقْبَلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي إخْبَارٍ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute