قَالَ (وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ لِرَجُلٍ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ قَضَيْتُ بِمَا عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْتَهَا ظُلْمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ، هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ وَاَلَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ مُقِرَّيْنِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاضٍ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ.
فِي الْحَالِ فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْدَرُ عَلَى إنْشَائِهِ فِي الْحَالِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَنْشَأَهُ فِي الْحَالِ بِمُعَايَنَةِ الْحَاضِرِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لَيْسَ إلَّا الْحُكْمَ وَهُوَ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَانِعَ قَائِمٌ إذَا عَايَنَ الْحُكْمَ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الشَّهَادَةَ وَالشُّرُوطَ، وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْحُكْمَ فَلَا يُفِيدُ هَذَا الْوَجْهُ شَيْئًا. وَلَمَّا زَادَ مَنْ زَادَ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ قَوْلَهُمْ أَوْ يَشْهَدُ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ عَلَى ذَلِكَ احْتَاجُوا أَنْ يَزِيدُوا وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُنْصَبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ قَاضٍ وَاحِدٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ الْقَاضِي بِانْفِرَادِهِ حُجَّةً فِي الْإِلْزَامِ لَقُلِّدَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ قَاضِيَانِ، وَأَنْتَ سَمِعْت مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَعَلِمْت أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ وُقُوعَ السَّبَبِ أَوْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي الْآمِرِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ وَيَشْهَدُوا تَوَفُّرَ الشُّرُوطِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْقُضَاةِ بَلْ عَلَى وُجُودِ الشُّهُودِ قُضَاةً كَانُوا أَوْ لَا، فَلَا يَلْزَمُ لِذَلِكَ تَكْثِيرُهُمْ، فَالْمُلَازَمَةُ بَيْنَ عَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِ بِانْفِرَادِهِ وَتَكْثِيرِ الْقُضَاةِ مَمْنُوعَةٌ
(قَوْلُهُ وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ لِرَجُلٍ إلَخْ) صُورَتُهَا عُزِلَ الْقَاضِي فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ قَضَيْت بِهَا عَلَيْك لِفُلَانٍ وَدَفَعْتهَا إلَيْهِ وَقَضَيْت بِقَطْعِك فِي حَقٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَلَمْ يُحْكَ فِي هَذَا جَرَيَانُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ لِأَنَّ هَذَا فِي أَمْرٍ فَاتَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْقَاضِي، وَإِلَّا امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ خُصُومَاتٌ فِي أَنْفُسٍ وَأَمْوَالٍ لَا تُحْصَرُ حِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ لَهُ فِي هَذَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ فَكَانَ إعْمَالُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ مُفِيدًا، نَعَمْ كَوْنُ الْقَوْلِ لَهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُقِرًّا بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاضٍ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute