للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. .

عَلَى حِفْظِ حَقِّهِ أَوْلَى.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ نَهْيُ مُسَمَّى الشُّهَدَاءِ عَنْ الْإِبَاءِ، وَحَقِيقَةُ الشُّهَدَاءِ مَنْ اتَّصَفَ بِالشَّهَادَةِ فَيَكُونُ نَهْيُ مَنْ اتَّصَفَ بِالشَّهَادَةِ حَقِيقَةً عَنْ الْإِبَاءِ إذَا ادَّعَى، وَلَا اتِّصَافَ قَبْلَ الدُّعَاءِ إلَّا بِالتَّحَمُّلِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ النَّهْيِ عَنْ إبَاءِ الْأَدَاءِ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَالْأَدَاءُ الْمَفْرُوضُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَدْ فَرَضَ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ أَنْ يَذْهَبَ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ لِلْأَدَاءِ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْكِتْمَانِ عَنْ الْقَاضِي فَيَكُونُ الْإِظْهَارُ لِلْقَاضِي وَهُوَ الْأَدَاءُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ الضِّدُّ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ الِانْتِهَاءُ عَنْ الْمُحَرَّمِ الذِّشِي هُوَ الْكِتْمَانُ إلَّا بِهِ، ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ التَّحْرِيمَ الْمُفَادَ بِالنَّهْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ وَهُوَ تَأْكِيدٌ فِي تَأْكِيدٍ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى فَإِنَّهُ آثِمٌ تَأْكِيدٌ، وَإِضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ وَرَئِيسُهَا تَأْكِيدٌ فِي تَأْكِيدٍ.

وَلِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ الْكِتْمَانِ فَهُوَ مَحَلُّ الْمَعْصِيَةِ بِتَمَامِهَا هُنَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِمَعْصِيَةِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْهَمُّ الْمُتَّصِلُ بِالْفِعْلِ فَلَيْسَ هُوَ مَحَلًّا لِتَمَامِهَا.

قَالُوا: يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَجْلِسُ الْقَاضِي قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا. فَعَنْ نَصْرٍ: إنْ كَانَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَأَرْكَبَهُ الطَّالِبُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ أَخْرَجَ الشُّهُودَ إلَى ضَيْعَةٍ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ حَمِيرًا فَرَكِبُوهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَهِيَ إكْرَامُ الشُّهُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَصَّلَ فِي النَّوَازِلِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاهِدِ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُهُ دَابَّةً فَتُقْبَلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ، وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً قَبْلَ ذَلِكَ تُقْبَلُ، وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : تُقْبَلُ فِيهِمَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِنْسَانِ مِمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ لَا، وَيُؤْنِسُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ يَجُوزُ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَدَاءَ فَرْضٌ، بِخِلَافِ الذَّهَابِ إلَى الْأَمِيرِ. وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ نَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ.

وَفِي الْعُيُونِ: إنْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَسِعَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ لَكِنَّ قَبُولَهَا مَعَ شَهَادَتِهِ أَسْرَعُ وَجَبَ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا دُعِيَ فَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ بِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>