للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَقَدْ بَطَلَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا، لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ.

(قَالَ وَلَا الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي نَفْسَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ

النِّسَاءِ فَأُهْدِرَتْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِالنِّسْبَةِ فِي تَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِجِنْسِ الْمَشْهُودِ، عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ لَمْ تَقَعْ إلَى وَكِيلِ الْغَائِبِ وَوَصِيِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ بِالْحُدُودِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تُقْبَلُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ بَلْ مَا تَقَدَّمَ يَكْفِي إذْ الرَّدُّ بِتُهْمَةٍ مَا فِي الْحُدُودِ لَا يَسْتَلْزِمُ الرَّدَّ بِمِثْلِهَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ تِلْكَ يُحْتَاطُ فِي دَرْءِ الْحُكْمِ فِيهَا.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ رَدَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَجَازَ كَوْنُهُ كَانَ فِي حَدٍّ وَنَفْيِهِ، وَقَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي الدَّيْنِ وَالْعَقَارِ.

أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ فَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. وَاسْتُشْكِلَ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا يُشِيرُونَ إلَى أَحَدٍ وَتُقْبَلُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ فِيهِ يَعْرِفُونَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ لَوْ رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ، وَالْأَعْمَى لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَوْ رَآهُ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى لَوْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لَا نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ لَمْ تُقْبَلْ. وَأَيْضًا فَنَقُولُ: كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا ضَرُورَةَ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ هَذَا.

قَالَ: فَلَوْ أَدَّى بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْقَضَاءِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شُرِطَ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَةِ الشَّهَادَةِ حُجَّةً عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَادُ لِلْقَضَاءِ فَمَا يَمْنَعُ الْأَدَاءَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ، وَالْعَمَى وَالْخَرَسُ وَالْجُنُونُ وَالْفِسْقُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ، وَأَبُو يُوسُفَ قَاسَهُ بِمَا إذَا غَابَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ مَاتَ. قُلْنَا: بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ الشَّهَادَةُ وَتَمَّتْ بِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ، بِخِلَافِ الْعَمَى فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لَهَا.

وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَنُقِضَ بِأَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ فِيهِ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ التُّهْمَةِ فِي الْإِشَارَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْأَعْمَى لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ.

(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَمْلُوكِ) أَيْ الرَّقِيقِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ تُقْبَلُ عَلَى الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد. وَعَنْ عَلِيٍّ : تُقْبَلُ عَلَى مِثْلِهِ لَا الْأَحْرَارِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>