(وَلَا الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِلْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀
فِي الْمَنْعِ عَدَمُ وِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا هُوَ إلَّا مَعْنًى ضَعِيفٌ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الْعَبْدِ وَتَمَامِ تَمَيُّزِهِ وَعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِعَارِضٍ يَخُصُّهُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى لَا لِنَقْصٍ فِي عَقْلِهِ وَلَا خَلَلٍ فِي تَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ فَلَا مَانِعَ.
وَأَمَّا ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ فَلَمْ يَصِحَّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ أَنَسٌ ﵁: شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ.
وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ شُرَيْحٌ كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ مَالِكٍ تُقْبَل فِي الْجِرَاحِ إذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِأَمْرٍ مُبَاحٍ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ ﵁. وَالْوَجْهُ أَنْ لَا تُقْبَلُ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَرُبَّمَا يَقْدَمُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ.
[فُرُوعٌ] إذَا تَحَمَّلَ شَهَادَةً لِمَوْلَاهُ فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى عَتَقَ فَأَدَّاهَا بَعْدَ الْعِتْقِ قُبِلَتْ، كَالصَّبِيِّ إذَا تَحَمَّلَ فَأَدَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَا الَّذِي إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّى جَازَ.
(قَوْلُهُ وَلَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ تُقْبَلُ إذَا تَابَ، وَالْمُرَادُ بِتَوْبَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ عُمَرَ ﵁ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ قَبْلَ شَهَادَتِكَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ وَحَالُهُ فِي الْعِبَادَةِ مَعْلُومٌ. فَصَلَاحُ الْعَمَلِ كَانَ ثَابِتًا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّوْبَةُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا﴾ يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ إلَى الْكُلِّ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحَرَّرَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً هَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute