قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: تُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِثُبُوتِهِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ
وَالْوَالِدُ وَنَحْوُهُمَا أَوْلَى بِالرَّدِّ. لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ فَيَثْبُتُ حِينَئِذٍ رَدُّ شَهَادَتِهِمْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورِ فِيهِ «وَلَا ظَنِينَ فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ» وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ مُضَعَّفًا.
إذْ لَيْسَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ كُلُّ مَا يَرْوِيهِ بَاطِلٌ إنَّمَا يُرَدُّ بِتُهْمَةِ الْغَلَطِ لِضَعْفِهِ، فَإِذَا قَامَتْ دَلَالَةٌ أَنَّهُ أَجَادَ فِي هَذَا الْمَتْنِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِكَوْنِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ كَنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَجُزْ شَرْعًا وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِمْ، وَعَلَى هَذَا كَانَ شُرَيْحٌ " حَتَّى رَدَّ شَهَادَةَ الْحَسَنِ ﵁ حِينَ شَهِدَ مَعَ قَنْبَرٍ لِعَلِيٍّ ﵁ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا سَمِعْتَ «أَنَّهُ ﷺ قَالَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ: نَعَمْ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَلَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ، فَقِيلَ عَزَلَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ وَزَادَ فِي رِزْقِهِ " فَقِيلَ رَجَعَ عَلِيٌّ ﵁ إلَى قَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى مَا قَالُوا التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالتِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً، لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ إجَارَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَخَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي هِيَ الْأَدَاءُ فِي أُجْرَتِهِ فَيَكُونُ مُسْتَوْجِبًا الْأَجْرَ بِهَا فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ مُوجِبًا تَمْلِيكَ مَنَافِعِهِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا تَمْلِيكَ مَنَافِعِهِ بَلْ وَقَعَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ فَافْتَرَقَا. وَفِي الْعُيُونِ: قَالَ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا فَشَهِدَ لَهُ الْأَجِيرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا فَشَهِدَ فَلَمْ يَعْدِلْ حَتَّى ذَهَبَ الشَّهْرُ ثُمَّ عَدَلَ قَالَ أُبْطِلُهَا كَرَجُلٍ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَلَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فَإِنِّي أُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ حَتَّى بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ ثُمَّ أَعَادَ الشَّهَادَةَ جَازَتْ، كَالْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا تَجُوزُ. وَمَا فِي زِيَادَاتِ الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ حَمَلَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا حَمَلَ مَا فِي كِتَابِ كَفَالَةِ الْأَصْلِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصْلِ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِمَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ مُشَاهَرَةً وَإِنْ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ اهـ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأُسْتَاذِ لِلتِّلْمِيذِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ فَمَقْبُولَةٌ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute