للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَّصِلٌ عَادَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يَصِيرُ مُتَّهَمًا، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ مَمْلُوكًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مَالِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لَهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ.

وَجْهُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ: أَيْ كُلُّ يَدٍ فِي حَيِّزٍ غَيْرِ حَيِّزِ الْأُخْرَى فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْهُ مِنْ حَازَ الشَّيْءَ مَنَعَهُ فَلَا اخْتِلَاطَ فِيهَا وَلِهَذَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ لَأَنْ يَنْتَفِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ.

وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمَقْصُودِ عَادَةً وَصَارَ كَالْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ بِمَالٍ لَهُ عَلَى آخَرَ تُقْبَلُ مَعَ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي مَنْفَعَتِهِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ " وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ " وَقَدْ سَمِعْتَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَمَرْفُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ الْخَصَّافِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَصٌّ كَفَى الْمَعْنَى فِيهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِجَامِعِ شِدَّةِ الِاتِّصَالِ فِي الْمَنَافِعِ حَتَّى يُعَدَّ كُلٌّ غَنِيًّا بِمَالِ الْآخَرِ.

وَلِذَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى﴾ قِيلَ بِمَالِ خَدِيجَةَ ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَنَافِعِ، وَالِانْبِسَاطُ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ، بَلْ قَدْ يُعَادِي أَبَوَيْهِ لِرِضَا زَوْجَتِهِ وَهِيَ لِرِضَاهُ، وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أَصْلُ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَنْهَا تَثْبُتُ فَيَلْحَقُ بِالْوِلَادِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى اتِّصَالِ الْمَنَافِعِ كَمَا أَعْطَى كَسْرَ بَيْضِ الصَّيْدِ حُكْمَ قَتْلِ الصَّيْدِ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا زَوْجِيَّةَ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِمُعْتَدَّتِهِ مِنْ رَجْعِيٍّ وَلَا بَائِنٍ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ.

وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي حَادِثَةٍ فَرُدَّتْ فَارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ تَابَ وَصَارَ عَدْلًا وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا رَدَّهَا صَارَ مُكَذَّبًا فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ شَرْعًا فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ أُعْتِقَ وَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَعَادَهَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تُقْبَلُ كَالرَّدِّ لِلْفِسْقِ. قُلْنَا: رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي الرَّدِّ، فَإِذَا صَارُوا أَهْلًا تُقْبَلُ. وَلَوْ قِيلَ الرَّدُّ فِي الْفِسْقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِكَذِبِهِ بَلْ لِمُجَرَّدِ تُهْمَتِهِ بِهِ، وَبِالْإِعَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ تَرْتَفِعُ تُهْمَةُ كَذِبِهِ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ بِعَيْنِهَا فَيَجِبُ قَبُولُهَا احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ: كُلُّ مَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنًى وَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>