للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ) وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.

(وَلَا نَائِحَةٍ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِأَنَّهُمَا يَرْتَكِبَانِ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةُ» (وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ

وَالْخَالَةِ وَغَيْرِهِمَا كَالْأَخِ تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ.

(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ، وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ) وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ تَعَمُّدًا لِذَلِكَ فِي تَزْيِينِهِ وَتَكْسِيرِ أَعْضَائِهِ وَتَلْيِينِ كَلَامِهِ كَمَا هُوَ صِفَتُهُنَّ لِكَوْنِ ذَلِكَ مَعْصِيَةً. رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ» يَعْنِي الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ، فَكَيْفَ إذَا تَشَبَّهَ بِهِنَّ فِيمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ خِلْقَةً وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا نَائِحَةٍ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، فَأَطْلَقَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ، فَوَرَدَ أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِعِلْمِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ: مُغَنِّيَةٍ. وَالْوَجْهُ أَنَّ اسْمَ مُغَنِّيَةٍ وَمُغَنٍّ إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ؛ أَلَا تَرَى إذَا قِيلَ مَا حِرْفَتُهُ أَوْ مَا صِنَاعَتُهُ يُقَالُ مُغَنٍّ كَمَا يُقَالُ خَيَّاطٌ أَوْ حَدَّادٌ، فَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ هُنَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ الْمُؤَنَّثَ بِهِ لِيُوَافِقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «لَعَنَ اللَّهُ النَّائِحَاتِ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُغَنِّيَاتِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لِوَصْفِ التَّغَنِّي لَا لِوَصْفِ الْأُنُوثَةِ وَلَا لِلتَّغَنِّي مَعَ الْأُنُوثَةِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ وَصْفَ الِاشْتِقَاقِ هُوَ الْعِلَّةُ فَقَطْ لَا مَعَ زِيَادَةٍ أُخْرَى.

نَعَمْ هُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَفْحَشُ لِرَفْعِ صَوْتِهَا وَهُوَ حَرَامٌ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَفْظُ النَّائِحَةِ صَارَ عُرْفًا لِمَنْ جَعَلَتْ النِّيَاحَةَ مُكْسِبَةً، وَحِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اتَّخَذَ التَّغَنِّي صِنَاعَةً يَأْكُلُ بِهَا لَا مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِنَاعَتَهُ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْغِنَاءَ فِي حَقِّهِنَّ مُطْلَقًا حَرَامٌ لِرَفْعِ صَوْتِهِنَّ وَهُوَ حَرَامٌ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ، وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ لَا يَخُصُّ الرِّجَالَ لِأَنَّ مَنْ تُطْلَقُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَضْلًا عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا، وَكَوْنُ صِلَتِهَا وَقَعَتْ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ يُغَنِّي بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتٍ لَا يُوجِبُ خُصُوصَهُ بِالرِّجَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>