(وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِصُعُودِهِ عَلَى سَطْحِهِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ وَهُوَ الْمُغَنِّي (وَلَا مَنْ يُغْنِي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ.
لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَمُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَمُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى التَّأْنِيثِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ.
فَإِنْ قُلْت: تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ ﵀ يَجْمَعُ النَّاسِ عَلَى كَبِيرَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّغَنِّي مُطْلَقًا حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مُفَادُهُ بِالذَّاتِ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ بِالذَّاتِ لِأَنَّ كَوْنَ الِاسْتِمَاعِ مُحَرَّمًا لَيْسَ إلَّا لِحُرْمَةِ الْمَسْمُوعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا تَغَنَّى بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ بَلْ نَفْسَهُ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الْوَحْشَةَ لَا يُكْرَهُ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا فَعَلَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ فَصِيحَ اللِّسَانِ.
وَقِيلَ وَلَا يُكْرَهُ لِاسْتِمَاعِ النَّاسِ إذَا كَانَ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ لَهْوٍ بِالنَّصِّ فِي الْعُرْسِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَنِّي لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ وَلِدَفْعِ الْوَحْشَةِ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُكْرَهُ، إنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ احْتِجَاجًا بِمَا عَنْ أَنْسَ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ يَتَغَنَّى، وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ﵀.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَيَحْمِلُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْشُدُ الْأَشْعَارَ الْمُبَاحَةَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْغِنَاءِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ ﷺ «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَإِنْشَادُ الْمُبَاحِ مِنْ الْأَشْعَارِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ الْمُبَاحِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute