للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صِفَةُ امْرَأَةٍ مُرْسَلَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا حَيَّةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا بِتَعْمِيمِ الْمَنْعِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ ، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ التَّغَنِّي الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدُّوَيْرَاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذْ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَادَ الشِّعْرِ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِتَعَلُّمِ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مَا سَلَفَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ إنْشَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ:

قَامَتْ تُرِيكَ رَهْبَةً أَنْ تَهْضِمَا … سَاقًا بَخَنْدَاةٍ وَكَعْبًا أَدْرَمَا

وَإِنْشَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ

إنْ يَصْدُقُ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا

لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً، فَلَوْلَا أَنَّ إنْشَادَ مَا فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ جَائِزٌ لَمْ تَقُلْهُ الصَّحَابَةُ، وَمِمَّا يَقْطَعُ بِهِ فِي هَذَا قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ :

وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبِينِ إذْ رَحَلُوا … إلَّا أَغَنَّ غَضِيضُ الطَّرَفِ مَكْحُولُ

تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظُلَمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ … كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ

وَكَثِيرٌ فِي شِعْرِ حِسَانَ مِنْ هَذَا كَقَوْلِهِ وَقَدْ سَمِعَهُ النَّبِيُّ مِنْهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا:

تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ … تَسْقِي الضَّجِيعَ بِبَارِدٍ بَسَّام

فَأَمَّا الزُّهْرِيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَضَمَّنَةُ فِي وَصْفِ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزْهَارِ وَالْمِيَاهِ الْمُطْرِبَةِ كَقَوْلِ ابْنِ الْمُعْتَزِّ:

سَقَاهَا بِغَابَاتٍ خَلِيجٌ كَأَنَّهُ … إذَا صَافَحَتْهُ رَاحَةُ الرِّيحِ مُبْرِدُ

يَعْنِي سَقَى تِلْكَ الرِّيَاضِ، وَقَوْلُهُ:

وَتَرَى الرِّيَاحَ إذَا مَسَحْنَ غَدِيرَهُ … صَقَلْنَهُ وَنَفَيْنَ كُلَّ قَذَاةِ

مَا إنْ يَزَالُ عَلَيْهِ ظَبْيٌ كَارِعًا … كَتَطَلُّعِ الْحَسْنَاءِ فِي الْمِرْآةِ

فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ عَلَى هَذَا.

نَعَمْ إذَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَاهِي امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ مَوَاعِظَ وَحِكَمًا لِلْآلَاتِ نَفْسِهَا لَا لِذَلِكَ التَّغَنِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي الْمُغَنِّي: الرَّجُلُ الصَّالِحُ إذَا تَغَنَّى بِشَعْرٍ فِيهِ فُحْشٌ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ.

وَفِي مُغْنِي ابْنِ قُدَامَةَ: الْمَلَاهِي نَوْعَانِ: مُحَرَّمٌ وَهُوَ الْآلَاتُ الْمُطْرِبَةُ بِلَا غِنَاءٍ كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَنَحْوِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ». وَالنَّوْعُ الثَّانِي مُبَاحٌ وَهُوَ الدُّفُّ فِي النِّكَاحِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ. وَيُكْرَهُ غَيْرُهُ لِمَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الدُّفِّ بَعَثَ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ سَكَتَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ عَمَدَ بِالدُّرَّةِ. وَفِي الْأَجْنَاسِ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ الَّذِي يَتَرَنَّمُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ.

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَحَظَرَهَا قَوْمٌ. وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُخْرِجُ الْحُرُوفَ عَنْ نَظْمِهَا وَقَدْرِ ذَوَاتِهَا فَمُبَاحٌ، وَإِلَّا فَغَيْرُ مُبَاحٍ، كَذَا ذُكِرَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَذَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلْحِينَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ تَغْيِيرِ مُقْتَضَيَاتِ الْحُرُوفِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ. وَنَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالتَّلْحِينِ وَقَدْ أَجَابَ بِالْمَنْعِ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَيُعْجِبُكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>