. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَنْ يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ؟ هَذَا وَأَمَّا النَّائِحَةُ فَظَاهِرٌ أَنَّهَا أَيْضًا فِي الْعُرْفِ لِمَنْ اتَّخَذَتْ النِّيَاحَةَ مُكْسِبَةً، فَأَمَّا إذَا نَاحَتْ لِنَفْسِهَا فَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: لَمْ يَرُدَّ النَّائِحَةَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا بَلْ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا، اتَّخَذَتْ ذَلِكَ مُكْسِبَةً لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ مَعْصِيَةً وَهِيَ الْغِنَاءُ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَرْتَكِبَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَيْسَرُ عَلَيْهَا مِنْ الْغِنَاءِ وَالنُّوحِ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِيمَا عَلِمْت، لَكِنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي الشَّارِحِينَ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلنَّاسِ أَوْ لَا.
قَالَ ﷺ «لَعَنَ اللَّهُ الصَّالِقَةَ وَالْحَالِقَةَ وَالشَّاقَّةَ» وَقَالَ ﵊ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَهُمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّيَاحَةَ وَلَوْ فِي مُصِيبَةِ نَفْسِهَا مَعْصِيَةٌ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهَا لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الشُّهْرَةِ لِيَصِلَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهَا لِلنَّاسِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَهُوَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مُدْمِنَ لِلشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ، يُرِيدُ شُرْبَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ خَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ.
وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ ﵀ فِي الْأَصْلِ: وَلَا شَهَادَةُ مُدْمِنِ خَمْرٍ، وَلَا شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ.
يُرِيدُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ خَمْرًا، فَقَالَ هَذَا الشَّارِحُ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَانُ فِي الْخَمْرِ، وَهَذِهِ الْأَشْرِبَةُ: يَعْنِي الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ مَعَ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ بِلَا قَيْدِ الْإِدْمَانِ، وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ، لَكِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ كَمَا سَمِعْت فَمَا هُوَ جَوَابُهُ؟ هُوَ الْجَوَابُ فِي تَقْيِيدِ الْمَشَايِخِ بِكَوْنِ النِّيَاحَةِ لِلنَّاسِ، ثُمَّ هُوَ نَقَلَ كَلَامَ الْمَشَايِخِ فِي تَوْجِيهِ اشْتِرَاطَ الْإِدْمَانِ أَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ لِيَظْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَهَا سِرًّا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَلَمْ يَتَنَفَّسْ فِيهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَذَا الَّتِي نَاحَتْ فِي بَيْتِهَا لِمُصِيبَتِهَا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا لِعَدَمِ اشْتِهَارِ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ، وَانْظُرْ إلَى تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ ﵀ بَعْدَ ذِكْرِ الْإِدْمَانِ بِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِلَا إدْمَانٍ، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ إذَا أَدْمَنَ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرْتَكِبُ مُحَرَّمِ دِينِهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، بِخِلَافِ الَّتِي اسْتَمَرَّتْ تَنُوحُ لِلنَّاسِ لِظُهُورِهِ حِينَئِذٍ فَتَكُونُ كَاَلَّذِي يَسْكَرُ وَيَخْرُجُ سَكْرَانَ وَتَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ.
وَصَرَّحَ بِأَنَّ الَّذِي يُتَّهَمُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ الْإِدْمَانَ بِنِيَّتِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِصْرَارِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَذْكُرُ رَدَّ شَهَادَةِ مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِهِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَشْرَبَ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ لَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ، وَالْمُدَارَاةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِهَا حُكْمُ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً لَا خَفِيَّةً لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ وَالْخَفِيُّ لَا يُعْرَفُ وَالظُّهُورُ بِالْإِدْمَانِ الظَّاهِرِ.
نَعَمْ بِالْإِدْمَانِ الظَّاهِرِ يُعْرَفُ إصْرَارُهُ، لَكِنَّ بُطْلَانَ الْعَدَالَةِ لَا يَتَوَقَّفُ فِي الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِصْرَارِ، بَلْ أَنْ يَأْتِيَهَا وَيَعْلَمَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّغَائِرِ وَقَدْ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَا شَرْحُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ فَلِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً، وَهَذَا كَأَنَّهُ بِالْخَاصِّيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ.
وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ، وَلِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لِصُعُودِ سَطْحِهِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ صُعُودِ السَّطْحِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ مِنْهُ لِهَذِهِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّ الدَّاعِيَةَ إلَى الشَّيْءِ كَالْحَرْبِ فِي اقْتِضَاءِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي لِعْبِ الشِّطْرَنْجِ، فَإِنَّهُ يُشَاهَدُ فِيهِ دَاعِيَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ حَتَّى أَنَّهُمْ رُبَّمَا يَسْتَمِرُّونَ النَّهَارَ وَاللَّيْلَ لَا يَسْأَلُونَ عَنْ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ وَجْهٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الشَّيْطَانِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ اللَّعِبَ بِالطُّيُورِ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ أُنَاسٍ أَرَاذِلَ وَصُحْبَتَهُمْ وَذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ. هَذَا وَفِي تَفْسِيرِ الْكَبَائِرِ كَلَامٌ، فَقِيلَ: هِيَ