للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ (إلَّا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ.

قَالَ (وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ، وَالِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ لِيُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ وَأَعْطَاهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ

مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، أَوْ إقْرَارُهُمْ أَنْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ. فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ تُقْبَلُ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ لِلْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَالْفِسْقُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إلْزَامٌ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُ الْفِسْقِ لِأَحَدٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ فِي الْحَالِ بِالتَّوْبَةِ. الثَّانِي أَنَّ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ يَفْسُقُ الشَّاهِدُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ فِيهِ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بَلْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ دَفْعَهُ لَيْسَ يَنْحَصِرُ فِي إفَادَةِ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْإِشَاعَةِ بِأَنْ يَشْهَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ، إذْ يَنْدَفِعُ بِأَنْ يُخْبِرَ الْقَاضِيَ سِرًّا فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

وَمِنْهَا مَا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ: يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لِهَذَا الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ. فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِئْجَارُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا فَلَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْمُدَّعِي فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ هَذَا بَلْ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ الْفِسْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلُوا مُزَكِّينَ لِشُهُودِ الْمُدَّعِي فَيُخْبِرُونَ بِالْوَاقِعِ مِنْ الْجَرْحِ فَيُعَارِضُ تَعْدِيلَهُمْ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ قُدِّمَ الْجَرْحُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَدِّلَ فِي زَمَانِنَا يُخْبِرُ الْقَاضِيَ سِرًّا تَفَادِيًا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَالتَّعَادِي، وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَوْلُ الشَّاهِدِ لَا شَهَادَةَ عِنْدِي لِشَكٍّ أَوْ ظَنٍّ عُرَاه بَعْدَمَا مَضَتْ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ بَلْ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُمْ بِعَشَرَةٍ وَأَعْطَاهُمُوهَا مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ أَنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا وَقَدْ شَهِدُوا وَأَنَا أُطَالِبُهُمْ بِهَذَا الْمَالِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِمْ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا إلَى آخِرِهِ، لَكِنْ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْمَالَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ سَرَقَ مِنِّي أَوْ زَنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>