للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بِهَذَا أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِمْ شَكَكْنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ فِي أَنَّهُ يُقْبَلُ إذَا كَانُوا عُدُولًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ شُبْهَةٍ وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِشَارَةَ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي أَوْ اسْمَ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ جَازَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَكُونُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بِلَا شَرْطِهِ وَهُوَ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَالتَّسْمِيَةُ وَلَوْ قَضَى لَا يَكُونُ قَضَاءً.

[فُرُوعٌ] مِنْ الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَكْتَبٍ وَعَلَى مُعَلِّمِهِ فَغُصِبَ فَشَهِدَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ وَقْفُ فُلَانٍ عَلَى مَكْتَبِ كَذَا وَلَيْسَ لِلشُّهُودِ أَوْلَادٌ فِي الْمَكْتَبِ قُبِلَتْ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَوْلَادٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَجُوزُ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِلْمَسْجِدِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَقْفِيَّةٍ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةِ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِهَا تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْمُصْحَفَ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ وَقْفٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: تُقْبَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَقِيهِ فِي الْمَدْرَسَةِ وَالرَّجُلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالصَّبِيِّ فِي الْمَكْتَبِ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ يَنْتَقِلُ، وَأُخِذَ هَذَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ.

وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَلِلشُّهُودِ أَوْلَادٌ مُحْتَاجُونَ فِي جَوَازِ الْمُوصِي قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ لِلِابْنِ وَتَبْطُلُ لِلْبَاقِينَ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ كَذَلِكَ. وَفِي وَقْفِ هِلَالٍ قَالَ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْجِيرَانِ عَلَى الْوَقْفِ. قُلْتُ: وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَوْقَافِهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْجِيرَانِ قَالَ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ فُقَرَاءَ الْجِيرَانِ لَيْسُوا قَوْمًا مَخْصُوصِينَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى فُقَرَاءِ الْجِيرَانِ يَوْمَ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ، فَمَنْ انْتَقَلَ مِنْهُمْ مِنْ جِوَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْغَلَّةِ حَقٌّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ فَقِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَ أَرْضَهُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ لَهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا خَاصَّةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلِيَّ الْوَقْفِ لَوْ أَعْطَى الْغَلَّةَ غَيْرَهُمَا مِنْ فُقَرَاءِ الْكُوفَةِ كَانَ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ تَكُونُ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ مِثْلُ أَهْلِ بَغْدَادَ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ.

وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا بِأَسْطُرٍ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى جِيرَانِهِ وَهُمَا جِيرَانُهُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ تَعَيُّنُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذْ لَا جِيرَانَ لَهُ سِوَاهُمَا، بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّورَةِ.

وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فُقَرَاءُ لَا تُقْبَلُ،

وَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِزِيَادَةِ الْخَرَاجِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ تُقْبَلُ، وَكَذَا أَهْلُ قَرْيَةٍ شَهِدُوا عَلَى ضَيْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ قَرْيَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا أَهْلُ سِكَّةٍ يَشْهَدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ السِّكَّةِ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ لَا تُقْبَلُ. وَفِي النَّافِذَةِ: إنْ طَلَبَ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا تُقْبَلُ، وَكَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ عَلَى هَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ. وَقِيلَ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً تُقْبَلُ مُطْلَقًا.

وَفِي الْأَجْنَاسِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَأَهْلُ بَيْتِ الشَّاهِدَيْنِ فُقَرَاءُ لَا تُقْبَلُ لَهُمَا وَلَا لِغَيْرِهِمَا.

وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُقَرَاءِ بَنِي تَمِيمٍ وَهُمَا فَقِيرَانِ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَلَا يُعْطَيَانِ مِنْهُ شَيْئًا.

وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَ أَرْضَهُ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَهُمَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>