الْجَرِّ وَالنَّقْلِ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّ الْأَيْدِي عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةُ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالتَّجْهِيلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ
لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ نَصًّا بَلْ إمَّا نَصًّا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ لِلْمُورَثِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْيَدُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَجَدُّدُ مِلْكِ الْوَارِثِ غَيْرُ لَازِمٍ شَرْعِيٍّ لِمَا شَهِدُوا بِهِ بَلْ لَازِمٌ لِقِيَامِهِ حَالَ الْمَوْتِ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ اتِّفَاقِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ لِلْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الْيَدِ وَقْتَ الْمَوْتِ تَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ، وَقَدْ وُجِدَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْيَدَ عِنْدَ الْمَوْتِ حَيْثُ شَهِدَ أَنَّهَا مُعَارَةٌ مِنْهُ أَوْ مُودَعَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمُعِيرِ وَأَخَوَيْهِ، وَقَدْ طُولِبَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَمَا إذَا شَهِدَا لِمُدَّعِي مِلْكِ عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلٍ بِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْمُدَّعِي أَوْ أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهَا حَيْثُ يَقْضِي بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا أَنَّهَا مِلْكُهُ إلَى الْآنَ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِمُدَّعِي عَيْنٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَذُو الْيَدِ يُنْكِرُ مِلْكَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا شَهِدَا بِمِلْكِهِ قُضِيَ لِلْمُشْتَرِي بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّا عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ يُوجِبُ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ حَالَةَ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالثَّابِتُ بِهِ بِحُجَّةٍ لِإِبْقَاءِ الثَّابِتِ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَارِثِ، بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِصْحَابِ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَا تَجَدُّدُهُ، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ مُضَافٌ إلَيْهِ لَا إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ بَقَائِهِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ آخِرُهُمَا وُجُودًا وَهُوَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقُ لَوْ لَمْ يُوجِبْهُ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْبَيِّنَةِ.
أَمَّا هُنَا فَثُبُوتُ مِلْكِ الْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا مَوْضُوعًا لِلْمِلْكِ بَلْ عِنْدَهُ يَثْبُتُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَارِغٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. هَذَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ مُعَارَةً أَوْ مُودَعَةً (فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ أَبِيهِ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ وَالْأَبُ) هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute