(وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُفِعَتْ إلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ
بِهَا غَاصِبًا. هَذَا إذَا شَهِدَ كَذَلِكَ لِمَيِّتٍ، فَلَوْ شَهِدَا لِحَيٍّ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ كَذَلِكَ: أَيْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعِي مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَا وَقْتًا، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَاَلَّتِي لِلْمَيِّتِ فَيَقْضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَا: لَا يَقْضِي بِهَا لِلْمُدَّعِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ، وَلَوْ شَهِدَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي تُقْبَلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْفُرُوعِ اسْتِصْحَابًا لِمِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى كَذَا هُنَا اسْتِصْحَابًا لِيَدِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ يَقْضِي بِالرَّدِّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الشَّهَادَةَ مَعَ كَوْنِهَا بِيَدِهِ مُنْقَضِيَةً شَهَادَةً بِمَجْهُولٍ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ، وَلَمْ يَلْزَمْ أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِمَجْهُولٍ، بِخِلَافِ مِثْلِهَا فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَزِمَ أَحَدَهَا بِعَيْنِهِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ يَدُ الْمِلْكِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ، وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ فَإِنَّ لَهُ مُوجِبًا مَعْلُومًا وَهُوَ الرَّدُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخْذٌ إلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ ثُبُوتُ أَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ.
قَالَ ﵊ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ فَيَقْضِيَ بِهِ» وَأَيْضًا الْيَدُ مُعَايِنٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ مُخْبَرٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي. وَاسْتَشْكَلَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ، وَكَذَا بِبَيِّنَةِ مُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مَعَ ذِي الْيَدِ حَيْثُ تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَمُدَعِّي الْمِلْكِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ فِيمَا لَا يَتَنَوَّعُ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَمُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ مَا يَتَنَوَّعُ. وَهَذَا الْجَوَابُ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعَايَنَةَ كَانَتْ تُقَدَّمُ لَوْ لَمْ تَلْزَمْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَقْضِيِّ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ يَصِيرُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ اسْتِقْلَالُ الثَّانِي بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةً لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ جَهَالَةٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ بِالْبَيَانِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ.
[تَتِمَّةٌ] شَرْطُ الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُورَثِهِ، فَلَوْ قَالُوا إنَّهُ لِمُورَثِهِ تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ قَالَ: لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، لِأَنَّ الْمُورَثَ إنْ كَانَ حَيًّا فَالْمُدَّعِي لَيْسَ خَصْمًا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَيِّتِ حَالًّا مُحَالٌ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ مَلَكَهُ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَانَ كَالْأَوَّلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَ الشُّهُودُ الْمَيِّتَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ لَا تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنُوا جِهَةَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ قَالُوا أَخُوهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُولُوا لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْثَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ، وَكَذَا لَوْ قَالُوا كَانَ لِجَدِّهِ وَلَمْ يَقُولُوا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِأَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَنْ عَدَدِ الْوَرَثَةِ لِلْقَضَاءِ.
وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُورَثِهِ تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرِثُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَقْضِي لِاحْتِمَالِ عَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute