(وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءَ) لِقَوْلِهِ ﵊ «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى»
فَاعْتُبِرَ عَارِضُ الظَّنِّ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَاتَّحَدَ حَالُهُمَا فَكَانَ اقْتِدَاءُ الْمَظْنُونِ بِالْمَظْنُونِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ، وَسُقُوطُ الْوَصْفِ هُنَا بِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ وَهُوَ الصِّبَا فَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَلَمْ يَتَّحِدْ حَالُهُمَا كَذَا فِي الْكَافِي. وَمَا نُقِلَ مِنْ الْمُحَسِّنِ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ صَلَاةٌ أَمْ لَا. فَقِيلَ لَا، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا تَخَلُّقًا دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّتْ الْمُرَاهِقَةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ جَازَتْ، وَقِيلَ نَعَمْ دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ قَهْقَهَتْ فِيهَا أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ صَحَّ الْخِلَافُ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْمَانِعِ يَتَنَاوَلُهَا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا صَلَاةً، نَعَمْ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً لَمْ يَتَأَتَّ، الْخِلَافُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ
(قَوْلُهُ لِيَلِنِي إلَخْ) فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ إيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» قِيلَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ ثُمَّ الصَّبِيَّانِ ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلْمٍ بِالضَّمِّ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ مِنْهُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ دَلَالَةِ الْبُلُوغِ فَدَلَالَتُهُ عَلَى الْبُلُوغِ الْتِزَامِيَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُرَادِ هُنَا لِيَلِنِي الْبَالِغُونَ لِيَكُونَ مَجَازًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لِجَوَازِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ، لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ أَنْ يَلِيَهُ مِنْ الصَّفِّ مَلْزُومُ الْبُلُوغِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَلِيَهُ الْبَالِغُونَ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ نَفْسُ الِاحْتِلَامِ أَوْ بُلُوغُ سِنٍّ مَخْصُوصَةٍ كَانَ إرَادَتُهُمْ بِاللَّفْظَيْنِ حَقِيقِيًّا لَا مَجَازِيًّا. وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ وَهُوَ الْعَقْلُ، وَفِي تَفْسِيرِ الْأَحْلَامِ بِالْعُقُولِ لُزُومٌ لِتَكْرَارٍ فِي الْحَدِيثِ فَلْيُجْتَنَبْ إذْ لَا ضَرُورَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ. وَلْنَسُقْ نُبْذَةً مِنْ سُنَنِ الصَّفِّ تَكْمِيلًا، مِنْ سُنَنِهِ التَّرَاصُّ فِيهِ وَالْمُقَارَبَةُ بَيْنَ الصَّفِّ وَالصَّفِّ وَالِاسْتِوَاءُ فِيهِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ الْبَرَاءِ. «كَانَ ﷺ يَأْتِي نَاحِيَةَ الصَّفِّ فَيُسَوِّي بَيْنَ صُدُورِ الْقَوْمِ وَمَنَاكِبِهِمْ وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ﵁ قَالَ: قَالَ ﷺ «اسْتَوُوا تَسْتَوِ قُلُوبُكُمْ وَتَمَاسُّوا تَرَاحَمُوا» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ ﷺ قَالَ «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالُوا وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ ﷺ قَالَ «أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute