إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ، لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ)
الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: بِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ. فَإِنْ نُوقِضَ بِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنِّي إنَّمَا قُلْت بِهِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ مَنَاطِهِ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الدَّمِ أَشَدُّ مِنْ أَمْرِ الْمَالِ.
قُلْنَا: الْأَشَدِّيَّةُ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهَا عَلَى ثُبُوتِ الضَّمَانِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِجَوَازِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ مَتَى يُقْضَى بِالضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ؟. قَالَ الْمُصَنِّفُ (إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا) لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ وَالْإِتْلَافُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَخْذِهِ مِنْهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ عَيْنًا فَيَضْمَنَانِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُدَّعِي إيَّاهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَهُ بِهَا أَوْ دَيْنًا فَلَا يَضْمَنَانِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُدَّعِي.
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ ضَمَانَهُمَا ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَإِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَالشَّاهِدَانِ وَإِنْ أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، فَلَوْ أَزَلْنَا قِيمَتَهُ عَنْ مِلْكِهِمَا بِأَخْذِ الضَّمَانِ مِنْهُمَا لَا تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَالشَّاهِدَانِ أَوْجَبَا عَلَيْهِ دَيْنًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الضَّمَانَ مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْتَفَتْ الْمُمَاثَلَةُ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُمَا عَيْنٌ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ أَوْجَبَاهُ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُوَافِقُ فِي وَجْهِ الدَّيْنِ، يَقُولُ فِي الْعَيْنِ: إنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ لَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ.
قَالَ الْبَزَّازِيُّ ﵀ فِي فَتَاوَاهُ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا، وَكَذَا الْعَقَارُ يُضْمَنُ بَعْدَ الرُّجُوعِ إنْ اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute