للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ جَمِيعًا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفُرُوعِ لَا غَيْرُ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَا وَبِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ (وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا أُمْضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ

يَقْضِي بِمَا عَايَنَ مِنْ الْحُجَّةِ وَهُوَ شَهَادَتُهُمَا. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ إلَّا بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَهُمَا، وَقَدْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَعَادَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَهُ مَا أَخَّرَهُ

(قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ جَمِيعًا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفُرُوعِ) بِنَاءً عَلَى مَا عُرِفَ لَهُمَا مِنْ (أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ) وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِرُجُوعِ مَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَا) وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنَّ الْقَضَاءَ بِمَا عَايَنَ الْقَاضِي مِنْ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا عَايَنَ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ (وَمِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ) أَيْ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ، فَالْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ الْمَنْقُولَةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْأُصُولِ.

وَقَوْلُهُ (وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ فَيَضْمَنُ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَ الْمُتْلَفِ؟ فَقَالَ هُمَا مُتَغَايِرَتَانِ لِأَنَّ شُهُودَ الْأَصْلِ يَشْهَدُونَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشُهُودَ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ. وَقِيلَ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا إشْهَادٌ وَالْأُخْرَى أَدَاءٌ لِلشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَمْرِ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّضْمِينِ بَلْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ، وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إذَا ضَمِنَ بِمَا أَدَّى عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآخَرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُتْلِفَ نَقَلَ شَهَادَةَ الْأُصُولِ، إذْ لَوْلَا إشْهَادُ الْأُصُولِ مَا تَمَكَّنَ الْفُرُوعُ مِنْ النَّقْلِ، وَلَوْلَا نَقْلُ الْفُرُوعِ لَمْ يَثْبُتْ النَّقْلُ فَكَانَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>