لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَإِنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَتُهُمْ. وَلَهُ أَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا
وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي نَصْرِ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى.
وَذَكَرَ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِيمَا إذَا شَهِدَ فَرْعَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ خَطَأً فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَبَضَهَا الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا لَا يَضْمَنُ الْفُرُوعَ لِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ وَعَدَمِ ظُهُورِ كَذِبِهِمْ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَصْلَيْنِ أَشْهَدَاهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيَّ يَرُدُّ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَلَوْ حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَقَالَا لَمْ نُشْهِدْهُمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصْلَيْنِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا بِأَنْ قَالَا أَشْهَدْنَاهُمَا بِبَاطِلٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَإِشْهَادَهُمَا لِلْفَرْعَيْنِ كَانَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ كَالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَضْمَنَا بِالرُّجُوعِ فَكَذَا إذَا ظَهَرَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا.
فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَضْمَنَانِ بِالرُّجُوعِ. ثُمَّ قَالَ هُنَا: لَا يَضْمَنَانِ: يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ فِي إنْكَارِ الْأُصُولِ الْإِشْهَادَ لَا يَضْمَنُ الْأَصْلَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَرَدُّدًا فِي أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً أَوْ قَالَهُ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَصَرَّحَ بِأَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِهِ (لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا) أَيْ شُهُودُ الْأَصْلِ (السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ) الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ (فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَنْقُضُ بِهِ الشَّهَادَةَ لِهَذَا (بِخِلَافِ مَا) إذَا أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ (قَبْلَ الْقَضَاءِ) لَا يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ كَمَا إذَا رَجَعُوا قَبْلَهُ، هَذَا إذَا قَالُوا لَمْ نُشْهِدْهُمْ (فَإِنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَرَجَعْنَا (ضَمِنَ الْأُصُولَ) هَكَذَا أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ وَحَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الضَّمَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ.
لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ نَقَلَا شَهَادَتَهُمَا إلَى الْمَجْلِسِ وَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا كَأَنَّهُمَا حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا وَأَدَّيَا فَإِذَا رَجَعَا ضَمِنَا. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمَا لَيْسَتْ فِي الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا فِيهِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا الْمَنْقُولَةُ فَعَمِلْنَا بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ وَبِالْحُكْمِ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْفَرْعَيْنِ نَائِبَيْنِ عَنْ الْأَصْلَيْنِ فَيَكُونُ فِعْلُهُمَا كَفِعْلِهِمَا لِيَرْتَفِعَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَعَمِلَ مَنْعُ الْأَصْلَيْنِ إيَّاهُمَا عَنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيلِ وَلَا يُعْمَلُ، فَلَهُمَا بَلْ عَلَيْهِمَا أَنْ يُؤَدِّيَا لَوْ مَنَعَاهُمَا بَعْدَ التَّحْمِيلِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِحَقٍّ آخَرَ إنَّمَا يَقْضِي بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute