للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَالْبَاقِي يُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلِفِ.

قَالَ (وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ)

بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ اعْتَرَضَ فِعْلَهُ الِاخْتِيَارِيِّ عَنْ الْإِكْرَاهِ لَكِنَّ اخْتِيَارَهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ لِلْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَلَا اخْتِيَارٍ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ مَعَ اخْتِيَارِهِ هَذَا الْبَيْعُ وَلَا إجَازَةُ بَيْعِهِ وَلَا إجَارَتُهُ وَنَحْوُهَا فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَطْعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ عَنْ الْمُكْرَهِ فَاعْتُبِرَ الْمُكْرَهُ كَآلَةٍ لِلْمُكْرَهِ قَتَلَ بِهَا ذَلِكَ الْقَتِيلَ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْ الِاخْتِيَارَ الصَّحِيحَ النِّسْبَةَ إلَى الشَّاهِدِ فَلَا أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ شُبْهَةً فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَالْقِصَاصُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ) وَقَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ بِفَتْحِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُخْتَلِفِ مُخْتَلِفُ الرِّوَايَةِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ.

وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ: إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَقَضَى بِذَلِكَ وَأَخَذَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ وَقُتِلَ الْقَاتِلُ فِي الْعَمْدِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا، فَالْعَاقِلَةُ فِي الْخَطَإِ إنْ شَاءُوا رَجَعُوا عَلَى الْآخِذِ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمِنُوا الشُّهُودَ لِأَنَّهُمْ تُسَبَّبُوا لِلتَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ الدِّيَةُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلِيَّ أَخَذَ مَالَهُمْ.

وَفِي الْعَمْدِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَكِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَيُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنُوا الْوَلِيَّ الدِّيَةَ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى أَحَدٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنُوا الشَّاهِدَيْنِ، وَهُمَا لَا يَرْجِعَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ الدَّمُ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالًا، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُونَ بِمَا ضَمِنُوا لِأَنَّ أَدَاءَ الضَّمَانِ انْعَقَدَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَضْمُونِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ لِعَدَمِ قَبُولٍ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ كَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا وَغَصَبَهُ آخَرُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ وَضَمِنَ الْمَالِكُ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا

(قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّ الشَّهَادَةَ) الَّتِي (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) وَهِيَ الَّتِي بِهَا الْقَضَاءُ (صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ. وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا لَمْ يَضْمَنُوا) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>