للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ التَّسْبِيبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَهَاهُنَا لَا يُفْضِي لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ مِمَّا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ، ثُمَّ لَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقِصَاصِ

لِأَنَّ التَّسْبِيبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَا تَسَبَّبَ فِيهِ (غَالِبًا) وَالشَّهَادَةُ لَا تُفْضِي إلَى قَتْلِ الْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ، وَإِنْ أَفَضْت إلَى الْقَضَاءِ، بَلْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ ثُمَّ تَقِفُ النَّاسُ فِي الصُّلْحِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ بَلْ عَلَى قَدْرِ بَعْضِهَا فَلَمْ تُفِضْ غَالِبًا إلَيْهِ بَلْ قَدْ وَقَدْ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّشَفِّي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْعَفْوُ بِالْمَالِ يَرَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ الْأَحَبُّ لِلشَّارِعِ وَحُصُولُ مَالٍ يَنْتَفِعُ بِهِ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ وَمَفْهُومِهِ يَقْتَضِي كَثْرَةَ وُجُودِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَتْلِ فَكَيْفَ إذَا عَلِمَ كَثْرَةَ وُقُوعِهِ، وَإِذَا انْتَفَى التَّسْبِيبُ مِنْ الشَّاهِدِ حَقِيقَةً انْتَفَى قَتْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ) يَعْنِي فَحَالَفَ الْوَلِيُّ الْمُكْرَهَ (لِأَنَّ) الْغَالِبَ أَنَّ (الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ) عَلَى حَيَاةِ غَيْرِهِ فَكَانَ الْمُكْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ مُسَبَّبًا حَقِيقَةً حَيْثُ ثَبَتَ بِفِعْلِهِ مَا هُوَ الْمُفْضِي لِلْقَتْلِ بِسَبَبِ الْإِيثَارِ الطَّبِيعِيِّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْجَامِعِ وَهُوَ إثْبَاتُ مَا يُفْضِي غَالِبًا إلَى الْفِعْلِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ (أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ) ذِي الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ أَعْنِي قَتْلَ الْوَلِيِّ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ (مِمَّا يَقْطَعُ نِسْبَةُ الْفِعْلِ) إلَى الشَّاهِدِ كَمَا عُرِفَ فِيمَنْ فَكَّ إنْسَانٌ قَيْدَهُ فَأَبَقَ بِاخْتِيَارِهِ وَأَمْثَالِهِ، كَمَنْ دَفَعَ إنْسَانًا فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ تَعَدِّيًا فَإِنَّهُ بِدَفْعِهِ الِاخْتِيَارِيِّ انْقَطَعَتْ نِسْبَةُ التَّلَفِ إلَى الْحَافِرِ فَلَا وُجُودَ لِلْمُسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ مُخْتَارًا

<<  <  ج: ص:  >  >>