(قَالَ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ)
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعَثَ أَمِينًا وَشَاهِدَيْنِ يَعْرِفَانِ الْمَرْأَةَ وَالْمَرِيضَ، فَإِنْ بَعَثَهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى إقْرَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ إنْكَارِهِ مَعَ الْيَمِينِ لِيَنْقُلَاهُ إلَى الْقَاضِي، وَلَا بُدَّ لِلشَّهَادَةِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا شَهِدَا عَلَيْهِمَا قَالَ الْأَمِينُ وَكُلُّ مَنْ يَحْضُرُ مَعَ خَصْمِك مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَيَحْضُرُ وَكِيلُهُ وَيَشْهَدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ أَوْ نُكُولِهِ لِتُقَامَ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ الْوَكِيلِ.
وَلَوْ تَوَجَّهَ يَمِينٌ عَلَى أَحَدِهِمَا عَرَضَهُ الْأَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى الْحَلِفَ عَرَضَهُ ثَلَاثًا، فَإِذَا نَكَلَ أَمَرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَحْضُرُ الْمَجْلِسَ لِيَشْهَدَا عَلَى نُكُولِهِ بِحَضْرَتِهِ، فَإِذَا شَهِدَا بِنُكُولِهِ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى بِنُكُولِهِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَثَرِ النُّكُولِ. فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَشَرَطُوهُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ النُّكُولِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَمِينُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالنُّكُولِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ الشَّاهِدَانِ إلَى الْقَاضِي مَعَ وَكِيلِهِمَا فَيَمْضِيه الْقَاضِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَتُرِيدُ حَكَمًا يَحْكُمُ بَيْنَكُمَا بِذَلِكَ ثِمَّةً؟ فَإِذَا رَضِيَ بَعَثَ أَمِينًا بِالتَّحْكِيمِ إلَى الْخَصْمِ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَإِذَا رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَحَكَمَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ نَفَذَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ خِلَافٌ تَوَقَّفَ عَلَى إمْضَاءِ الْقَاضِي. وَالْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِذَا أَمْضَاهُ نَفَذَ عَلَى الْكُلِّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُوجِبُ لُزُومَ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ. عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀: حَيْضُ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَتْ طَالِبَةً قُبِلَ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، أَوْ مَطْلُوبَةً إنْ أَخَّرَهَا الطَّالِبُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْقَاضِي مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُقْبَلُ تَوْكِيلُهَا بِغَيْرِ رِضَا الطَّالِبِ. وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَحْبُوسًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، إنْ كَانَ فِي حَبْسِ هَذَا الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ التَّوْكِيلُ بِلَا رِضَاهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ لِيُخَاصِمَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي حَبْسِ الْوَالِي وَلَا يُمَكِّنُهُ الْوَالِي مِنْ الْخُرُوجِ لِلْخُصُومَةِ يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ
(قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُ الْأَحْكَامُ) فَهَذَانِ شَرْطَانِ لِلْوَكَالَةِ فِي الْمُوَكِّلِ.
قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا لِأَنَّهُ يُجِيزُ تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا وَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُهُ، بَلْ الشَّرْطُ عِنْدَهُ كَوْنُ الْوَكِيلِ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمِلْكِهِ لِلتَّصَرُّفِ أَنْ تَكُونَ لَهُ وَلَا شَرْعِيَّةَ فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute