ثُمَّ كَمَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ مِنْ الْمُسَافِرِ يَلْزَمُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةً لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الرَّازِيّ ﵀: يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا. قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ.
مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ أَوْ دَفْعِ مَا هُوَ ثَابِتٌ فَلَا يُقْبَلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، إلَّا إذَا كَانَ مَعْذُورًا وَذَلِكَ بِسَفَرِهِ فَإِنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ الْجَوَابِ بِنَفْسِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، وَتَوْكِيلُ عَلِيٍّ ﵁ وَغَيْرِهِ بِالْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ اسْتِرْضَاءُ الْخَصْمِ لَمْ يُنْقَلْ عَدَمُهُ فَهُوَ جَائِزُ الْوُقُوعِ فَلَا يَدُلُّ لِأَحَدٍ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْمُدَّعِي التَّعَنُّتَ فِي إبَائِهِ التَّوْكِيلَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ إلَى الْإِضْرَارِ بِالتَّوْكِيلِ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ فَيَتَضَاءَلُ وَقْعُ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِّ الْمَرَضِ: إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَشْيَ وَيَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَوْ عَلَى إنْسَانٍ لَكِنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ لَمْ يَزْدَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُصُومَةِ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ سُوءِ الْمِزَاجِ فَلَا يُلْزَمُ بِهِ (وَكَمَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ مِنْ الْمُسَافِرِ يَلْزَمُ) مِنْ الْحَاضِرِ (عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ) غَيْر أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ بِإِرَادَتِهِ فَيَنْظُرُ إلَى زِيِّهِ وَعِدَّةِ سَفَرِهِ وَيَسْأَلُهُ مَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَسْأَلُ رُفَقَاءَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا إذَا أَرَادَ فَسْخَ الْإِجَارَةِ بِعُذْرِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْآجِرُ فَيَسْأَلُ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فِي فَسْخِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةً) قَالَ الرَّازِيّ وَهُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ (يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ) مِنْهَا (لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا) أَوْ يُضَيِّعُ حَقُّهَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ يَعْنِي إمَّا عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ. عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الْمُخَدَّرَةِ وَالْبَرْزَةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَتَخْصِيصُ الرَّازِيّ ثُمَّ تَعْمِيمُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ إلَّا لِفَائِدَةِ أَنَّهُ الْمُبْتَدِئُ بِتَفْرِيعِ ذَلِكَ وَتَبِعُوهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ الْمُخَدَّرَةِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا الَّتِي لَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحَارِمِ مِنْ الرِّجَالِ. أَمَّا الَّتِي جَلِيَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ فَرَآهَا الرِّجَالُ لَا تَكُونُ مُخَدَّرَةً، وَلَيْسَ هَذَا بِحَقٍّ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ، فَأَمَّا حَدِيثُ الْمِنَصَّةِ فَقَدْ يَكُونُ عَادَةَ الْعَوَامّ تَفْعَلُهُ بِهَا وَالِدَتُهَا ثُمَّ لَمْ يَعْهَدْ لَهَا بُرُوزٌ وَمُخَالَطَةٌ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهَا بَلْ يَفْعَلُهُ غَيْرُهَا لَهَا (يَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا) لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا بِالْجَوَابِ تَضْيِيعُ حَقِّهَا، وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
ثُمَّ إذَا وَكَّلَتْ فَلَزِمَهَا يَمِينٌ بَعَثَ الْحَاكِمُ إلَيْهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعُدُولِ يَسْتَحْلِفُهَا أَحَدُهُمْ وَيَشْهَدُ الْآخَرَانِ عَلَى يَمِينِهَا أَوْ نُكُولِهَا. وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: إذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ مَرِيضًا أَوْ مُخَدَّرَةً وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُعْهَدْ لَهَا خُرُوجٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ بَعَثَ نَائِبًا يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute