لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ.
وَلَهُ أَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ وَلِهَذَا يَسْتَحْضِرُهُ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَتَخَيَّرُ الْآخَرُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا هُنَالِكَ،
لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ) بِالْخُصُومَةِ (تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ حَقَّهُ الَّذِي لَا يَصُدُّ عَنْهُ فَاسْتِنَابَتُهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ) وَصَارَ (كَالتَّوْكِيلِ): بِغَيْرِ ذَلِكَ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ.
وَلَهُ أَنَّ جَوَابَ الْخَصْمِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى خَصْمِهِ. وَلِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ يَسْتَحْضِرُهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِيُجِيبَهُ عَمَّا يَدَّعِيه عَلَيْهِ. وَغَايَةُ مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ لَكِنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يُنَفَّذُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ (وَ) لَا شَكَّ أَنَّ (النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخُصُومَةِ) كَمَا صَرَّحَ قَوْلُهُ ﵊ «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ الْآخَرِ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَقْصِدُ عَادَةً لِاسْتِخْرَاجِ الْحِيَلِ وَالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ لِيَغْلِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ مَعَهُ، كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ.
وَفِي هَذَا ضَرَرٌ بِالْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْتِزَامِهِ، وَصَارَ (كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ) فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَمَعَ هَذَا لَمَّا كَانَ مُتَضَمِّنًا الْإِضْرَارَ بِالْآخَرِ كَانَ لَهُ فَسْخُهَا، وَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إجَارَتُهُ إيَّاهَا تَصَرُّفٌ فِي حَقِّهِ وَمَمْلُوكِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُؤَجِّرِ إذْ كَانَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي الرُّكُوبِ، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ يَقْبِضُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ فَإِنَّ الْقَبْضَ مَعْلُومٌ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَعَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، وَلِلتَّقَاضِي حَدٌّ مَعْلُومٌ إذَا جَاوَزَهُ مُنِعَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ ضَرَرَهَا أَشَدُّ مِنْ شِدَّةِ التَّقَاضِي، وَعَدَمُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْقَبْضِ لِتَضَمُّنِهَا التَّحَيُّلَ عَلَى إثْبَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute