للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا. وَقَالَا: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ.

كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَخِلَافُهُ هَذَا عَجِيبٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ثُمَّ وَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ هُنَا وَجَوَازُهُ فِي غَيْرِهِ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ انْصَرَفَتْ إلَى الْجَوَابِ مُطْلَقًا نَوْعًا مِنْ الْمَجَازِ فَنَعْتَبِرُ عُمُومَهُ فِيمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَنَخُصُّ مِنْهُ الِاعْتِرَافُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشَّرْعِ الْعَامِّ فِي الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَفِي اعْتِرَافِهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (وَقَالَا: يَجُوزُ) ذَلِكَ (بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ) قَالُوا: فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ إلَخْ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ.

وَأَنْكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٍ خِلَافُ ذَلِكَ، وَسَاقَ عِبَارَاتِهِمْ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ الْمَسْطُورِ هُنَا، وَهُوَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ، وَهُمْ قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَشُكُّوا فِيهِ، وَإِنَّمَا فَسَرُّوهُ بِذَلِكَ.

وَسَبَقَ الْمُصَنِّفُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ: التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ صَحِيحٌ، لَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْلُبَ الْخَصْمَ أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ وَيُجِيبَ، وَنَحْوُ هَذَا كَلَامٌ كَثِيرٌ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرُوهُ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَرِّفْ لِأَحَدٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ فَعَلِمَ خَصْمُهُ فَرَضِيَ لَا يَكُونُ رِضَاهُ كَافِيًا فِي تَوَجُّهِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ وَلَا تُسْمَعُ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ وَكَالَةً أُخْرَى عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الظَّوَاهِرِ الَّتِي سَاقَهَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِلَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ أَنَّهَا لَا تَمْضِي عَلَى الْآخَرِ وَتَلْزَمُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى، وَمَعْنَى هَذَا لَيْسَ إلَّا أَنَّ اللُّزُومَ عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَاهُ وَهُوَ مَعْنَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ الْعِبَارَاتِ الَّتِي نَقَلَهَا مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا أَقْبَلُ وَكَالَةً مِنْ حَاضِرٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى خَصْمُهُ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ حَتَّى أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ فَرَضِيَ الْآخَرُ لَا يَحْتَاجُ فِي سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ إلَى تَجْدِيدِ وَكَالَةٍ كَمَا هُوَ لَازِمُ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>