. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ ﵄، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا الصُّبْحُ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغُلَامٍ لَهُ، فَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْجَمْعُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا: يَعْنِي إمَامًا. وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ كَشْفِ السِّتَارَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ كَشَفَهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاة، ثُمَّ تَبَسَّمَ ضَاحِكًا وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبِهِ ظَنًّا أَنَّهُ ﷺ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ أَتِمُّوا، ثُمَّ دَخَلَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ ﷺ مِنْ يَوْمِ ذَلِكَ». وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ مَا أَسْنَدَ عَنْ جَابِرٍ وَأُسَيْدُ بْنِ حُضَيْرٍ اقْتِدَاءُ الْجَالِسِينَ بِهِمَا وَهُمَا جَالِسَانِ لِلْمَرَضِ: وَإِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ، وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْقَاعِدَ إنْ شَرَعَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِهِ، وَإِنْ شَرَعَ جَالِسًا فَلَا وَهُوَ أَنْهَضُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّا صَرَّحْنَا بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْقِيَاسِ صِيرَ إلَيْهِ بِالنَّصِّ. وَقَدْ عُلِمَ «أَنَّهُ ﷺ خَرَجَ إلَى مَحَلِّ الصَّلَاةِ قَائِمًا يُهَادَى ثُمَّ جَلَسَ»، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَصَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا قَائِمًا وَلَوْ التَّحْرِيمَةَ وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُتَحَقِّقًا فِي حَقِّهِ ﷺ، إذْ مَبْدَأُ حُلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَانَ قَائِمًا فَالتَّكْبِيرُ قَائِمًا مَقْدُورُهُ حِينَئِذٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَوْرِدُ النَّصِّ حِينَئِذٍ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِجَالِسٍ شَرَعَ قَائِمًا. قَالَ الْأَعْمَشُ فِي قَوْلِهَا «وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ﵁»: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ ﷺ. وَفِي الدِّرَايَةِ: وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا، بَلْ أَصْلَ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ، أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ، فَلِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بَسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَا تَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَّلَ بِهِ الْحُرُوفَ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ، وَفِي النَّارِ لِإِظْهَارِهَا، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَامُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرِكُونِي أَفْسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ. وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ، كَمَا لَا أَرَى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute