. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ وَجَازَ عَدَمٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمٍ «رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَمَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَخْرُجُ إلَيْهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ ﷺ: يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ» فَشَرَعَ لَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَا يُصَلِّي بِقَوْمِهِ، أَوْ الصَّلَاةَ بِقَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَلَا يُصَلِّي مَعَهُ، هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ أَفَادَ مَنْعَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ إذَا صَلَّى مَعَهُ ﷺ وَلَا تَمْنَعُ إمَامَتَهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَقِيلَ إنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ: أَعْنِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ﵀ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَلِهَذَا لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَبَعْدَ هَذَا يُرَدُّ حَدِيثُ جَابِرٍ «أَقْبَلْنَا إلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ». وَرَوَى الشَّافِعِيُّ ﵀ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ ﷺ صَلَّى بِبَطْنِ نَخْلَةٍ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» وَشَيْخُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ إلْزَامِيَّةٌ لِأَنَّ كَوْنَ فَرْضِ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَالْأُخْرَيَانِ نَافِلَةً إنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا، إذْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ وَعَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ. وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ»، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ. وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ نُسِخَ بِالِاحْتِمَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ الْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ تَرْجِيحًا بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا صَحِيحٌ بَلْ وَاجِبٌ إذْ يَجِبُ التَّرْجِيحُ مَا أَمْكَنَ، وَمَرْجِعُهُ الْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ فِي كُلِّ مُتَعَارِضَيْنِ ثَبَتَتْ صِحَّتُهُمَا، وَإِنْ عَبَّرْنَا فِي وَجْهِ التَّرْجِيحِ بِلَفْظٍ آخَرَ نَحْوَ أَنْ نَقُولَ هَذَا مُحَرِّمٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبِيحِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حَمْلَ ذَلِكَ الْمُبِيحِ عَلَى النَّسْخِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمُبِيحَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ قَالَهُ، وَكَوْنُهُ قَالَ أَيْضًا: الْمُحَرِّمُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْعَمَلِ بِهِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبِيحُ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْهُ ﷺ فَيَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْآنَ تَقْرِيرَ الْإِبَاحَةِ، فَتَقْدِيمُ الْمُحَرِّمِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمُقَدَّمِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَشَدُّ الْحُكْمَيْنِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى التَّأَخُّرِ وَذَلِكَ عَلَى التَّقَدُّمِ احْتِيَاطًا: أَيْ عَمَلًا بِأَشَقِّ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُصُوصِ الْمُتَقَرِّرِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ يَتَيَقَّنُ مَعَهُ بِالْعَمَلِ بِالْمُتَأَخِّرِ الْمُتَقَرِّرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَعْنَى حَمْلِهِ عَلَى النَّسْخِ أَنَّهُ ثَبَتَ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَثَبَتَ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ صَلَّى بِالطَّائِفَتَيْنِ صَلَاةً وَاحِدَةً مَعَ الْمُنَافِي بِكُلِّ طَائِفَةٍ، فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَتَمَّ بِكُلِّ طَائِفَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute