للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ أَنَّ فِيهَا أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَقْطَعْهَا) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَهَا) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ آهٍ لَا يُفْسِدُ فِي الْحَالَيْنِ وَأُوهِ يُفْسِدُ.

وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ تَفْسُدُ. وَحُرُوفُ الزَّوَائِدِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ

قَوْلُهُ فَإِنْ أَنَّ فِيهَا) أَيْ قَالَ آهْ أَوْ تَأَوَّهَ: أَيْ قَالَ أُوهِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ) أَيْ حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ (قَوْلُهُ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ كَوْنَهُ إظْهَارًا لِلْوَجَعِ بِلَفْظٍ هُوَ الْمَصِيرُ لَهُ كَلَامًا فَلَا يَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِهِ إلَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إظْهَارًا لِلْوَجَعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَدْرِكُونِي أَوْ أَعِينُونِي، بِخِلَافِ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ لِأَنَّهُ كَقَوْلِ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَأَعِذْنِي مِنْ النَّارِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ إذْ يُعْطِي ظَاهِرُهُ أَنَّ كَوْنَهُ دَالًا عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ صَيَّرَهُ كَلَامًا، لَكِنْ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ إظْهَارًا لِذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُصَيِّرُهُ كَلَامًا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ.

وَرَشَّحَهُ فِي الْكَلَامِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مُفْسِدًا كَوْنُهُ حَرْفَيْنِ زَائِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ وَهَذَا لَا يَقْوَى، لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ الْحُرُوفِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ إظْهَارَ الْوَجَعِ بِاللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنًى بِهِ فَيَكُونُ نَفْسُهُ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعٌ، وَاشْتِرَاطُ الْوَضْعِ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ فِي الْكَلَامِ.

وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُهُ لُغَةً لَمْ يَلْزَمْ اشْتِرَاطُهُ فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ فِي الْإِفْسَادِ كَوْنُهُ إفَادَةَ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، إذْ لَيْسَ كَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَالَيْنِ: أَيْ الْخُشُوعِ وَالْجَزَعِ، وَقَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ: أَيْ فِي الْحَالَيْنِ أَيْضًا عِنْدَهُ، وَكَذَا أُفٍّ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا لَا تَفْسُدُ، وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَالَ: أُفٍّ أَلَمْ تَعِدنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ» قُلْنَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَيَجُوزُ كَوْنُهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا.

وَقَوْلُهُ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ) سَمْطٌ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ أَيْنَ هُوَ مِنْ أَمَانٍ وَتَسْهِيلٍ، وَقَدْ جَمَعَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ مَالِكٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي هَذَا الْبَيْتِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>