للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثِمٌ» لِقَوْلِهِ «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ» وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ

مِنْ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ، وَفِي نَفْسِي مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ شَيْءٌ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: وَذَكَرَتْ مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا، وَصَحَّ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْتُ عَنْ الْحِمَارِ وَتَرَكْتُهُ أَمَامَ الصَّفِّ فَمَا بَالَاهُ» وَلَمْ نَجِدْ فِي الْكَلْبِ شَيْئًا انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَامَ الْمُعَارِضُ فِيهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلْبِ، وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ ذَلِكَ عَلَى قَطْعِ الْخُشُوعِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُهُ، بِخِلَافِ مُعَارِضِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُمَا مُحَكَّمَانِ فِي عَدَمِ الْإِفْسَادِ.

وَيَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمْلُ الْمُحْتَمَلِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِمَّا لَمْ يُعَارَضْ بِهِ الْمُحَكَّمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَلْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْمُولِ يَقْطَعُ، فَإِذَا لَزِمَ فِي عَامِلِهِ هَذَا كَوْنُ الْمُرَادِ قَطْعَ الْخُشُوعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ لَزِمَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَلْبِ أَيْضًا ذَلِكَ وَإِلَّا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا.

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كُلُّهَا فِي الْكِتَابِ إلَّا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أُمِنَ الْمُرُورُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ) الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضِرُ: لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَسَاقَهُ، وَفِيهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْئُولَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ خِلَافَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَقَدْ خَطَّأَ النَّاسُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ مَالِكًا، وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ أَبِي جُهَيْمٍ بَعَثَ بُسْرًا إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بَعَثَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ لِيَسْتَثْبِتَهُ فِيمَا عِنْدَهُ وَهَلْ عِنْدَهُ مَا يُخَالِفُهُ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَحْفُوظِهِ، وَشَكَّ أَحَدُهُمَا وَجَزَمَ الْآخَرُ، وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ أَبِي النَّضِرِ فَحَدَّثَ بِهِمَا.

غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا حَفِظَ حَدِيثَ أَبِي جُهَيْمٍ وَابْنَ عُيَيْنَةَ حَفِظَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) قِيلَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ هُوَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَدَّرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>