للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتُحَاذِي أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ

(وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً) لِقَوْلِهِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً» (وَمِقْدَارُهَا ذِرَاعٌ فَصَاعِدًا)

بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَمِنْهُمْ بِخَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ بِأَرْبَعِينَ، وَمِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ نَحْوَ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ فِي قِيَامِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ فِي سُجُودِهِ وَفِي حِجْرِهِ فِي قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ فِي سَلَامِهِ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَا يُكْرَهُ.

وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَا صُحِّحَ فِي النِّهَايَةِ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَحَاذَى أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ، وَإِنْ كَانَ الْمَارُّ أَسْفَلَ وَهُوَ لَيْسَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ سُجُودُهُ فِيهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَلْبَتَّةَ دُون مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ.

وَمَعَ ذَلِكَ ثَبَتَتْ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مَمْشًى فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرُ مَنْقُوضٍ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا الْحَدَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ. فَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا: يَعْنِي أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ الْمَسْجِدِ فَيَمُرَّ فِيمَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ فِي الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا.

وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمُرُّ مَا وَرَاءَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرَ مَا بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَحَائِطِ الْقِبْلَةِ. وَمُنْشَأُ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَمَنْ فَهِمَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ يَخُصُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ سُجُودِهِ قَالَ بِهِ، وَمَنْ فَهِمَ أَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَفَاهُ وَعَيَّنَ مَا وَقَعَ عِنْدَهُ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرَجُّحُ مَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْتِ بِرُمَّتِهِ اُعْتُبِرَ بُقْعَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ مِنْ الْمُرُورِ مِنْ بَعِيدٍ فَيُجْعَلُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَيُحَاذَى إلَخْ) فَلَوْ كَانَتْ الدُّكَّانُ قَدْرَ الْقَامَةِ فَهُوَ سُتْرَةٌ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَدَّهُ بِطُولِ السُّتْرَةِ وَهُوَ ذِرَاعٌ، وَغَلَّظَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً وَكَذَا الدَّابَّةُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ وَقَالُوا: حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي فَتَصِيرَ هِيَ سُتْرَةٌ فَيَمُرَّ، وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّيَ

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ») غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>