لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ رُبَّمَا كَانَ يَسْتَتِرُ بِنَافِعٍ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ أَوْ سَيْفٌ مُعَلَّقٌ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالصُّوَرِ (وَلَا يَسْجُدُ عَلَى التَّصَاوِيرِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ، وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحْمَلُهُ إذَا كَانَتْ لَهُمْ أَصْوَاتٌ يُخَافُ مِنْهَا التَّغْلِيظُ أَوْ الشَّغْلُ، وَفِي النَّائِمِينَ إذَا خَافَ ظُهُورَ صَوْتٍ يُضْحِكُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي كَوْنِ ظَهْرِ النَّائِمِ سُتْرَةً اخْتِلَافًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رُبَّمَا كَانَ يَسْتَتِرُ بِنَافِعٍ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ قَالَ لِي: وَلِّ ظَهْرَك. وَمَا رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ «أَنَّهُ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» وَاقِعَةُ حَالٍ لَا تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كَانَ إلَى ظَهْرِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلَهُ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِرَفْعِ الْكَرَاهَةِ.
وَهُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ (قَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ) قُدِّمَ الْمَعْمُولُ لِقَصْدِ إفَادَةِ الْحَصْرِ فَيُفِيدُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ النَّاسِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ السَّيْفَ آلَةُ الْحَرْبِ وَالْبَأْسِ فَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُ فِي مَقَامِ الِابْتِهَالِ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُمْ إيَّاهُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ لِذَلِكَ.
وَالْحَالُ ابْتِهَالٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مُحَارَبَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَالنَّفْسِ الْمُخَالِفَةِ. وَعَنْ هَذَا سُمِّيَ الْمِحْرَابُ
(قَوْلُهُ فِيهِ تَصَاوِيرُ) فِي الْمُغْرِبِ الصُّورَةُ عَامٌّ فِي ذِي الرُّوحِ وَغَيْرِهِ، وَالتِّمْثَالُ خَاصٌّ بِمِثَالِ ذِي الرُّوحِ لَكِنْ الْمُرَادُ هُنَا ذُو الرُّوحِ، فَإِنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ كَالشَّجَرِ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَثَرُ قَالَ لِلْمُصَوِّرِ: إنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَعَلَيْك بِتِمْثَالٍ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الصُّورَةِ أَوَّلًا، وَقَيَّدَهَا فِي الْجَامِعِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ.
فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ لَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ. وَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُصَلَّيْ: أَيْ السَّجَّادَةَ الَّتِي يُصَلَّى عَلَيْهَا مُعَظَّمٌ فَوَضْعُ الصُّورَةِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا حَيْثُمَا كَانَتْ مِنْهُ، بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute