للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتَكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْهُ بِمَنْ تَحْتَهُ، وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ

مَخْرَجَهُ حَسَنٌ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِهِ أَنَّ عِرَاكًا سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ لَقِيَهَا فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ هُوَ وَعَائِشَةُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةِ فَلَا يَبْعُدُ سَمَاعَهُ مِنْهَا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ «جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا» الْحَدِيثَ.

ثُمَّ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ عِرَاكٌ فِيهَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ «أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّاسِ أَمَرَ بِمَقْعَدَتِهِ فَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ». وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ تَمَسُّكًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ وَمَنْ بَعْدَهُ.

حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، وَلَفْظُهُمْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا إذَا هَرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ إلَى الْقِبْلَةِ» وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْكَبِيرِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ لِأَنَّ النَّاسِخَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي قُوَّةِ الْمَنْسُوخِ وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ لَا يُقَاوِمُ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السِّتَّةُ وَغَيْرَهُ مِمَّا أَخْرَجَ كَثِيرًا.

مَعَ أَنَّ الَّذِي فِيهِ حِكَايَةُ فِعْلِهِ وَهُوَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي نَسْخِ التَّشْرِيعِ الْقَوْلِيِّ لِجَوَازِ الْخُصُوصِيَّةِ: وَلَوْ نَسِيَ فَجَلَسَ مُسْتَقْبِلًا فَذَكَرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ: أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَكَمَا يُكْرَهُ لِلْبَالِغِ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الصَّغِيرَ نَحْوَهَا لِيَبُولَ وَقَالُوا: يُكْرَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ تَكُون عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ عَنْ الْمُحَاذَاةِ

(قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ) وَصَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ لَكِنَّ الْحَقَّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ.

لِأَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ إنَّمَا هِيَ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ فَتُفِيدُ أَنَّ الْوَطْءَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ، فَعِنْدَ عَدَمِ الِاعْتِكَافِ لَا يَكُونُ لَفْظُ الْآيَةِ دَالًا عَلَى مَنْعٍ فَالْمَنْعُ لِلْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ بَلْ لَوْ كَانَ مُعْتَكِفًا اعْتِكَافًا نَفْلًا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَيْهِ لِلِاعْتِكَافِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ قَطْعَ نَفْلِ الِاعْتِكَافِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ إنْهَاءٌ لِلْعِبَادَةِ لَا إبْطَالٌ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لِلْمَسْجِدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَلَيْسَتْ الْآيَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا فِي كُلِّ اعْتِكَافٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ الَّذِي هُوَ إنْهَاءٌ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، وَمَبْدَؤُهُ يَقَعُ فِي الْعِبَادَةِ فَصَارَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ يَكُونُ إنْهَاءً مَحْظُورًا.

وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا قُلْنَاهُ عَيْنًا كَانَتْ مُحْتَمِلَةً كَوْنَ التَّحْرِيمِ لِلِاعْتِكَافِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ فَتَكُونُ ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ، وَبِمِثْلِهَا تَثْبُتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لَا التَّحْرِيمُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلِّي التَّغَوُّطُ لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُهُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَقَدْ أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ وَالْبَوْلُ يُنَافِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجَلْدَةُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>