للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ

ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ حَكَّامٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ «الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَقَالَ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدَبِ وَالْحَقُّ هُوَ الثَّابِتُ، وَكَذَا الْوَاجِبُ لُغَةً، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ وَلِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» وَمَا أَخْرَجَاهُ أَيْضًا «أَنَّهُ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ بَعَثَهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ.

وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ أَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ هَذِهِ» أَحْسَنُ مَا يُعَارَضُ لَهُمْ بِهِ، وَلَهُمْ غَيْرُهَا مِمَّا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عَدَمِ تَمَامِ دَلَالَةٍ.

وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لِلْوُجُوبِ إلَى اللُّغَوِيِّ فَمَا فِي السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، قَالَ «الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةِ فَلْيُوتِرْ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَجْهُ الْقَرِينَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ خِصَالٍ إحْدَاهَا أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ كُلُّ خَصْلَةٍ تَخَيَّرَ فِيهَا تَقَعُ وَاجِبَةً عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخَمْسِ فَلَزِمَ صَرْفُهُ إلَى مَا قُلْنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجُوزُ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ يُصَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ لِعُذْرِ الطِّينِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَمْ يُقَارِنْ وُجُوبَ الْخَمْسِ بَلْ مُتَأَخِّرٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ لِلْوِتْرِ.

رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ بِالْأَرْضِ وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ فَعَلَ ذَلِكَ، فَدَلَّ أَنَّ وِتْرَهُ ذَلِكَ كَانَ إمَّا حَالَةَ عَدَمِ وُجُوبِهِ أَوْ لِلْعُذْرِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عَلَى النَّبِيِّ . وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ جَوَازَ هَذَا الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَقُولُونَ لِخَصْمِهِمْ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا أُدِّيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ انْتَهَى.

وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَهُمْ نَسْخُ وُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَصِحُّ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّا لَا نَقُولُ بِجَوَازِهِ عَلَى الدَّابَّةِ لِوُجُوبِهِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ كَانَ بَعْدَ سَفَرِهِ، وَعَنْ الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَوْ الْمُرَادُ الْمَجْمُوعُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ الْمُخْتَتَمَةِ بِوِتْرٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ كَذَلِكَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ حِينَئِذٍ فَرْدٌ وَذَلِكَ وِتْرٌ لَا شَفْعٌ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّوَافِلِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ لِلْمُتَأَمِّلِ، بَلْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ ظَاهِرَةٌ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ الْمُورَدِ فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ ثُمَّ تَأَخَّرَ فِي الْقَابِلَةِ: يَعْنِي عَمَّا فَعَلَهُ فِي السَّابِقَةِ أَلْبَتَّةَ، وَعَلَّلَ تَأَخُّرَهُ عَنْ ذَلِكَ بِخَشْيَةِ أَنْ يُكْتَبَ الْوِتْرُ فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْوِتْرِ ظَاهِرَ الصَّلَاةِ الَّتِي فُعِلَتْ مُخْتَتَمَةً بِالْوِتْرِ.

وَيَدُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>