وَحَكَى الْحَسَنُ ﵀ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ، هَذَا أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ ﵀، وَفِي قَوْلٍ يُوتِرُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ
الطَّحَاوِيُّ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» إلَى آخَرِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَرْوِيِّ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمُسْتَدْرَكِ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَظَاهِرُ هَذَا وَصْلُ الثَّالِثَةِ لِجَعْلِهِ الْأُولَى بَعْضَ الْوِتْرِ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْوِتْرِ وَإِلَّا لَقَالَتْ فِيهِ وَفِي الرَّكْعَةِ الْوِتْرُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ بِتَحْرِيمَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لِنَحْتَاجَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِجَوَابِهِ، إذْ يُحْتَمَلُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ كَوْنِهِ إذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً مُتَّصِلَةً فَأَنَّى يُقَاوِمُ الصَّرَائِحَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ الْوِتْرِ فَقَالَ: عَلَّمَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الْوِتْرَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. هَذَا وِتْرُ اللَّيْلِ وَهَذَا وِتْرُ النَّهَارِ. وَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ الْوِتْرَ أَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَأُمُّ وَلَدِهِ خَلْفَنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ.
عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوهُ يُفِيدُ تَقَيُّدَ جَعْلِهَا وَاحِدَةً بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ خَشْيَةُ طُلُوعِ الْفَجْرِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ حُجِّيَّةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَعَلَى قَوْلِنَا الْمُتَقَرِّرُ نَفْيُ شَرْعِيَّتِهَا، فَإِذَا أُبِيحَتْ بِشَرْطٍ تَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ، لَكِنَّا لَا نُجِيزُهَا أَيْضًا لِذَلِكَ عِنْدَ خَشْيَةِ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ أَحَدُ مُحْتَمَلَيْهِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَمَا قُلْنَا، فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِمَا ثَبَتَ بِهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ رِوَايَاتِ فِعْلِهِ ﷺ مَعَ أَنَّهُ تَحَكَّمَ عِنْدَ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ شَرْعِيَّتُهَا لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ الْوِتْرِ إيَّاهَا إلَّا بِدَلِيلٍ يَخُصُّ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الشَّفْعَ مَشْرُوعٌ وَلَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ كَوْنِ بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِخُصُوصِهِ إيَّاهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثَّابِتَ كَوْنُهُ ثَلَاثًا كَالْمَغْرِبِ، وَكَذَا صَحَّ عَنْ ابْن مَسْعُودٍ «وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ»، وَإِنَّمَا ضَعَّفُوا رَفْعَهُ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ إلَّا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَوَاجِبِ وَقَدْ ضُعِّفَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِيمَا رَوَيْنَا قِرَاءَتَهُ ﷺ فِي الثَّالِثَةِ بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا سِوَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (قَوْلُهُ وَحَكَى الْحَسَنُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ) فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute